تونس - أسماء خليفة
تعيش تونس هذه الأيّام أخطر شهر تمرّ به خلال العام، إذ كان شهر كانون الثاني/يناير فاتحة أحداث كبرى عاشتها البلاد وطبعت تاريخها، هذه الأحداث الخطرة مزجت بين ما هو سياسي وما هو اجتماعي فكانت محطّات مهمّة من تاريخ بناء تونس ما بعد الاستقلال.
في هذا النصّ تعمّدنا سرد الأحداث وفقا لتسلسلها اليومي طيلة شهر كانون الثاني/يناير، وهي أحداث بدت متشابهة في شكلها
وسرعة انتشارها وأهدافها ومطالبها، إذ هي انطلقت من مطالب حياتية بسيطة لمواطن يطلب ضمان قوته، فيما يلي أحداث كانون الثاني/يناير الكبرى التي يحيي التونسيون ذكراها وسط مناخ اقتصادي واجتماعي صعب ومناخ سياسي دقيق.
انتفاضة الخبز 3 كانون الثاني/يناير 1984:
يوم الجمعة 3 كانون الثاني/يناير تمّ إحياء الذكرى 30 لانتفاضة الخبز التي خلّفت الشهيد الفاضل ساسي وهو مناضل من الصف الأوّل في الخط الوطني الديمقراطي وهي العائلة السياسيّة التي ينتمي إليها الشهيد شكري بلعيد الذي اغتاله متشددون دينيا العام الماضي والنائب المنجي الرحوي الذي نبّهته وزارة الداخلية الأحد إلى جدّية التهديدات بتصفيته جسديا خلال الساعات القليلة المقبلة بعد صدور فتوى تكفّره على خلفية موقفه من الفصل الأول للدستور الجديد.
انطلقت أحداث انتفاضة الخبز في شهر كانون الثاني/يناير من العام 1983 في محافظات الجنوب التونسي. وشهدت الاحتجاجات توسعا جغرافيا في المنطقة طلبا لوقف الزيادة في سعر العجين ومشتقاته متخذة طابعا عنيفا. ومع دخول مشروع الزيادة في هذه الأسعار حيز التنفيذ في 1 كانون الثاني/يناير 1984 شملت الحركة الاحتجاجية مناطق الشمال والوسط الغربي الأمر الذي أدى إلى نزول الجيش للشوارع في هذه المناطق بعد أن سجل عجز قوات الشرطة على الحد من توسع الانتفاضة.
وعرفت هذه الانتفاضة أوجها في 3 كانون الثاني/يناير من العام المذكور فأصبحت هناك مواجهة مفتوحة بين المتظاهرين والشرطة وتم إحراق المحلات والسيارات والمؤسسات والحافلات في شوارع العاصمة وسقوط جرحى وقتلى في صفوف المتظاهرين بينهم الشهيد الفاضل ساسي.
أحداث الحوض المنجمي 5 كانون الثاني/يناير 2008:
بدأت مدن الحوض المنجمي جنوب غرب تونس السبت 5 كانون الثاني/يناير إحيائها للذكرى السادسة لأحداث الحوض المنجمي التي اندلعت عام 2008 ويعتبرها الساسة فاتحة ثورة 14 كانون الثاني/يناير.
تصبغ هذه الاحتفالات بالذكرى السادسة حالة من التذمّر وتوجيه أصابع الاتهام إلى السلطة على أنها "تتعاطى بأسلوب سلطوية سيئ مع مطالب مشروعة وعادلة" وفقا لما قاله الفاهم بوكدوس الصحفي الذي اعتقل بسبب تغطيته لأحداث الحوض المنجمي.
اندلعت شرارة الاحتجاج في الحوض المنجمي اثر إعلان نتائج انتداب أعوان و كوادر شركة فسفاط قفصة التي وصفها الأهالي بالخاضعة للمحسوبية. وعرفت مدن أم العرائس والمظيلة والرديف تجمعات حاشدة منعت حركة المرور و أغلقت الطريق إلى شركة الفسفاط ورفعت شعارات واجب حق التشغيل. وبدأ نصب خيام الاعتصام وسط تعتيم إعلامي حول الاحداث. تطورت الاحداث ليسقط قتلى في صفوف الشباب المحتج الامر الذي أجّج الوضع وشهدت المدن المذكورة حملة اعتقالات واسعة في حق متظاهرين ونقابيين وناشطين واستمرّ التوتر طيلة ستة اشهر كاملة رافقها تحرك لمتظاهرين في عواصم غربية من ذلك دخول شباب أصيل منطقة الحوض المنجمي في إضراب جوع جماعي في إحدى الحدائق العامة في العاصمة الفرنسية باريس.
ثورة 14 كانون الثاني/يناير 2011:
اندلعت الاحتجاجات في تونس بعدما أقدم التاجر المتجول محمد البوعزيزي على الانتحار حرقا بعد حجز بضاعته من قبل أعوان التراتيب البلدية. وشهد شهر كانون الثاني،/يناير اتساعا في رقعة الاحتجاجات لتشمل المحافظات كلها تقريبا. وازداد الوضع سوءا بسقوط عدد من القتلى في صفوف المتظاهرين في محافظة الڤصرين في الليلة الفاصلة بين 8 و9 كانون الثاني/يناير لتعلن نقابة الصحافيين إضرابا عاما قطاعيا للمرة الأولى في تاريخها يوم 11 كانون الثاني/يناير احتجاجا على قمع الإعلام ومنعه بالقوة من تغطية الأحداث لكشف الحقيقة للرأي العام المحلي والدولي.
وأعلن الاتحاد المحلي للعمل في محافظة صفاقس إضرابا عاما يوم 12 كانون الثاني/يناير وصولا إلى الإضراب العام في العاصمة يوم 14 كانون الثاني/يناير تاريخ مغادرة بن علي لكرسي الرئاسة نحو منفاه في السعودية وانهيار نظامه ودخول البلاد مرحلة جديدة من البناء والتأسيس في سياق ثوري ما يزال متواصلا منذ 3 أعوام ما بعد انتخاب مجلس تأسيسي لصياغة دستور جديد وتنظيم انتخابات عامة لإرساء المؤسسات السياسية الدائمة.
وكانت حصيلة انتفاضة 17 ديسمبر/ كانون الأول 2010/ 14 كانون الثاني/يناير 2011 سقوط أكثر من 300 شهيد برصاص قوات الأمن التي حاولت قمع الاحتجاجات.
أحداث 26 كانون الثاني/يناير 1978:
كانت عشريّة السّبعينات مثقلة بالأزمات الاقتصاديّة و الاجتماعيّة في تونس وتفاقمت الأزمة بوصول المفاوضات بين حكومة الهادي نويرة و الاتّحاد العامّ التونسي للشغل إلى طريق مسدود. وتأزّم الوضع أكثر باعتقال الأمين العامّ للاتّحاد المحلي في محافظة صفاقس عبد الرزّاق غربال يوم 24 كانون الثاني/يناير، وبعد يومين فقط من اعتقاله دعا أمين عام اتحاد العمل الحبيب عاشور في اجتماع عامّ في ساحة محمّد علي إلى الإضراب العامّ.
واندلعت مواجهات عنيفة بين المجتمعين وبين قوات الأمن التي طوّقت مقر المركزية النقابية وعلى إثر ذلك انطلقت مظاهرات وأعمال عنف وتحرّكات احتجاج عارمة وعاشت العاصمة انفلاتا أمنيّا غير مسبوق الأمر الذي دفع بالرئيس آنذاك الحبيب بورقيبة إلى إعلان حالة الطّوارئ في البلاد وحضرا للجولان في العاصمة تونس لم يُرفَع إلاّ في 20 آذار/مارس بمناسبة إحياء عيد الاستقلال.
وكانت حصيلة أحداث ذلك اليوم الذي يصفه المؤرخون بالخميس الأسود اعتقال 500 نقابي بينهم الأمين العام الحبيب عاشور وتقديمهم للمحاكمة بتهمة التحريض والتآمر على النّظام. تراوحت الأحكام الصادرة ضدهم بين ستّة أشهر وعشرة أعوام أشغال شاقّة (صدرت في حقّ الحبيب عاشور).
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر