غزة ـ محمد حبيب
تعطّلت حركة البناء والإنشاءات في قطاع غزة، بشكل واضح، سواء على صعيد المواطنين أو المشاريع العامة، على خلفية تدمير الجيش المصريّ للأنفاق الحدودية مع القطاع.وعبّر كثير من المواطنين عن تذمّرهم من عودة الأوضاع للوراء إلى سنوات الحصار الأولى، والتي توقفت فيها حركة البناء والإعمار
لسنوات عدة، الأمر الذي زاد من حاجة القطاع لبناء آلاف الوحدات السكنية لتغطية العجز الحاصل منذ أعوام، حيث يعتمد القطاع بشكل كلي على ما يدخل من الأنفاق مع الجانب المصريّ من مواد للبناء، في حين تُنفّذ بعض المؤسسات الدولية مشاريعها بالاعتماد على ما يدخل من معبر كرم أبو سالم عن طريق الجانب الإسرائيليّ.وأكد المقاول أبو اسماعيل، 40 عامًا، مُعلقًا على أزمة الإسمنت، أن "قطاع غزة يمر بأزمة خانقة، أوقفت عشرات المهن نتيجة توقف ضخّ الإسمنت إليه، مما أثر سلبًا على المواطنين والعمال على حد سواء، وتوقُّف الضخ أوقف عامل البناء والقصارة والبلاط والشبابيك والكثير من المهن التي تعتمد على الإسمنت، أو ما بعد استخدام الإسمنت، مما أوقف الحياة في الكثير من المصانع والحرف.وقال المواطن أبو عبدالله، (27عامًا)، "نحن نمرُ بظروف صعبة للغاية بسبب شح الإسمنت في قطاع غزة وارتفاع سعره، فعندما قررت أن أستقر أنا وعائلتي المكونة من زوجتي وطفليّ في شقة لوحدنا، ارتفع سعر الإسمنت، وعجزت عن مواصلة البناء، مما سبب لي حالة من الكآبة والحزن، لأنني كنت أود أن أستقبل وللمرة الأولى ضيوفي في شقتي الجديدة".
وأوضح الموظف في إحدى الشركات الخاصة أحمد المصري، أنه كان يفكر في بناء منزل خاص به قبل تدمير الجانب المصري للأنفاق، حيث كان يرغب في تأسيس بيت كامل له ولعائلته للاستقرار فيه، وأنه عدل عن التفكير في هذا الأمر بعد ما حصل من أزمة سياسية في مصر وانعكاسها على وضع الأنفاق وقطاع غزة، لافتًا إلى أن كميات البناء لم تعد تدخل بكميات كبيرة كما السابق، وأن الكميات المدخلة قليلة للغاية"، لافتًا إلى أن أسعار مواد البناء ارتفعت بشكل "خرافي"، بعد حملة تدمير الأنفاق الأمر الذي جعله يعزف عن التفكير في بناء منزل له في الوقت الراهن، وأنه يمكن أن يعود للتفكير في بنائه بعد أن تعود أسعار مواد البناء إلى حدها الطبيعي.وأفاد المدير التنفيذيّ لاتحاد الصناعات الإنشائية في قطاع غزة فريد زقوت، أن الارتفاع نتج عن إغلاق بعض الأنفاق، مما دفع التجار في الجانب المصري إلى البيع بأسعار مرتفعة، وأن سعر طن الإسمنت وصل إلى 1000شيكل ( 300$)، في حين كان يتراوح سابقًا بين 400 الى 420 شيكل (تقريبًا 120$).وأشار المواطن أبو محمد الحلو، إلى أنه أوقف بناء منزله الذي بدأ بتشييده قبل شهرين بسبب الارتفاع المفاجئ الذي طرأ على أسعار مواد البناء، مضيفًا "ذهبت لأشتري الحديد والحصمة، فوجدت الأسعار مرتفعة بشكل كبير لأكثر من 200 شيكل لكل نوع".وأوضح عبدالسلام حسين، والذي بدأ منذ أشهر عدة ببناء عمارة له في منطقة تل الهوا في غرب مدينة غزة، أنه اضطر إلى التوقف عن العمل في مشروعه بعد توقف دخول مواد البناء عبر الأنفاق، وأنه بنى ثلاثة طوابق وتوقف عن الطابق الرابع، حيث لم يستطع أن يصب سقف له، بالإضافة إلى عدم قدرته على تشطيب الطوابق التي بناها من قبل، لافتًا إلى أن العمال توقفوا عن العمل في عمارته منذ أسبوعين.وأعلنت وزارة التربية والتعليم، توقف أعمال البناء في 39 مدرسة جديدة، نتيجة تجدّد الحصار والإغلاق، بما في ذلك إغلاق الأنفاق والمعابر، وأن توقف إنشاء المدارس الجديدة يؤثر سلبًا على المسيرة التعليمية، خصوصًا أن قطاع غزة في حاجة إلى المدارس الجديدة للتخفيف من حدّة الكثافة، وأنّ الإغلاق يمنع وصول مواد البناء مثل الإسمنت والحديد والحصمة ومواد الدهان والبلاط ومواد الخشب والألمونيوم والأدوات الكهربائية، وهي مواد ضرورية للبناء.وأفاد تقرير موسّع نشره الأورومتوسطي، أخيرًا، أنّ قطاع البناء والإنشاءات في غزة سيواصل انهياره الحاد الذي بدأ منذ تموز/يوليو الماضي، بسبب انعدام موادّ البناء التي توقف دخولها عبر الأنفاق، بينما تفرض عليها السلطات الإسرائيلية قيودًا تعجيزية عبر معبر كرم أبو سالم، والتقديرات تشير إلى أنَّ هذا القطاع يعمل في ايولو/سبتمبر الجاري، بأقل من 15% من طاقته التشغيلية، مما يعني أنّ 30 ألف فرصة عمل تمّ فقدانها خلال شهرين، بينما 12 ألف مواطن لا يزالون مشرّدين لعجزهم عن إعادة إعمار منازلهم التي دمّرتها الحربيْن الأخيرتيْن على غزة.وقال وكيل وزارة الأشغال العامة والاسكان ياسر الشنطي، في تصريح له، "بعد إغلاق الأنفاق أصبحت تتقلص مواد البناء، وتقلّ من السوق، وهناك ندرة في وجودها، كما تأثر الأمر بارتفاع أسعار تلك المواد بسبب الأزمة، وأنّ سعر الإسمنت تضاعف 100%، فيما تضاعفت أسعار الحديد والحصمة بشكل متفاوت"، مؤكدًا أنّ "الحل في الخروج من الأزمة يتمثل بزيادة عمل عدد ساعات المعبر والتوجه للمجتمع الدوليّ"، معربًا عن تخوّفه من أنّ هذا الأمر سيؤدي إلى "شلل تام في حركة البناء، لعدم توافر المواد، وفي حال توافرها، فإنّها ستكون مرتفعة الثمنوأكد رئيس "الاتحاد العام للصناعات الفلسطينية" علي الحايك، أنه "في ظل إغلاق الأنفاق ومحدودية قُدرات معبر كرم أبو سالم في إدخال مواد البناء، سيخلق حالة شلل تام في الصناعات الإنشائية، وأنّ استمرار الوضع سيخنق مصانع القطاع ويجعلها غير قادرة على العمل جرّاء عدم وجود بديل لإدخال بعض المواد الخام عن طريق الجانب الإسرائيليّ".وأشار "المركز الفلسطينيّ لحقوق الإنسان"، إلى أن سوق قطاع غزة شهد ارتفاعًا كبيرًا في أسعار مواد البناء كافة، ونفاد بعضها من الأسواق، بسبب توقف توريدها عبر الأنفاق.وأظهرت إحصاءات المركز، أن كمية الواردات من مادتي الإسمنت وحديد البناء، خلال الشهر الماضي كانت محدودة جدًا، ولا تلبي الحد الأدنى من الحاجات الفعلية للقطاع، حيث تم توريد 12,696 طنًا من مادة الإسمنت، و457 طنا من حديد البناء، وهي كميات لا تتجاوز 15% و0.8% من الحاجات الشهرية لقطاع غزة.
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر