الرباط – رضوان مبشور
الرباط – رضوان مبشور
قال العاهل المغربي الملك محمد السادس إنّ المملكة ترفض الدّروس في مجال حقوق الإنسان من دول أخرى، خصوصا ممّن ينتهكون حقوق الإنسان، بطريقة ممنهجة، رافضا "المزايدة على المغرب" في هذا المجال، مشيرا في الوقت ذاته أن البعض يستغلّ الانفتاح والحرّيات التي تشهدها محافظات الصحراء لأغراض باطلة، مؤكّدا أن المغرب سيُواصل التعامل مع الأمم المتحدة، ومبعوثها الشّخصي للمنطقة (كريستوف
روس) من أجل إيجاد حل متوافق عليه بين الأطراف المتنازعة، كما تجاهل الحديث عن العلاقات المغربيّة الجزائريّة، عكس التوقّعات، حيث لم يذكر في خطابه الذي استمر 19 دقيقة دولة الجزائر بالاسم، مكتفيا فقط ببعض التّلميحات.
جاء هذا في خطاب ألقاه محمد السادس، مساء الأربعاء، بمناسبة الذّكرى ال 38 للمسيرة الخضراء، أكّد خلاله أن المغرب أكثر عزما "على مواصلة مساره المتجدّد، بروح وطنيّة صادقة وتعبئة جماعيّة، لصيانة وحدته التّرابية والنّهوض بالتّنمية الشّاملة"، مشيرا إلى أنه "إذا كانت المسيرة الخضراء مكّنت من استرجاع أقاليم الصحراء، فإن المسيرات التي يقودها المغرب، تهدف إلى ترسيخ الحقوق المدنيّة والسياسيّة، والمُضيّ قُدُما في النّهوض بالجيل الجديد من الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية. غايتنا تكريم المواطن المغربي وتمكينه من مقومات المواطنة الكاملة".
وأضاف محمّد السادس أن "المغرب أقدم على مجموعة من الإصلاحات العميقة والأوراش الكبرى، وفق منظور متدرج، يراعي الخصوصيات الوطنية، بعيدا عن الشعارات الفارغة، الموجّهة للاستهلاك الإعلامي، وعن ردود الأفعال المتسرّعة على التطورات والأحداث الوطنية والدولية"، مستدركا أن "بعض الجهات والأشخاص (دون أن يسميهم)، يستغلّون فضاء الحرية والانفتاح الذي ينعم به المغرب لأغراض باطلة، وخصوصا في أقاليمنا الجنوبية".
وشدّد العاهل المغربي أن "المغرب، بقدر ما يحرص على التعاون والتفاعل الإيجابي مع المنظّمات الحقوقية الدولية، التي تتحلّى بالموضوعية في التعامل مع قضاياه، ويتقبّل، بكل مسؤولية، النّقد البناء، فإنه يرفض أن تتخذ بعض المنظمات، في تقارير جاهزة، بعض التصرفات المعزولة، ذريعة لمحاولة الإساءة لصورته وتبخيس مكاسبه الحقوقية والتنموية"، ضاربا المثل بمن "يصدقون ظلما وعدوانا، أي شخص يدعي أنه تم المس بحق من حقوقه، أو أنه تعرض للتعذيب، ولا يأخذون بعين الاعتبار أحكام العدالة، بل وما يقوم به المغرب على أرض الواقع".
وفي ما يتعلق بمسألة حقوق الإنسان، تساءل عاهل المغرب قائلا "هل يعقل أن يحترم المغرب حقوق الإنسان في شماله، ويخرقها في جنوبه، فكل الدول ترفض أن تتعرض لأعمال تمس بالأمن والاستقرار. لأن حقوق الإنسان تتنافى مع العنف والشغب، وترهيب المواطنين. ولأن ممارسة الحريات، لا يمكن أن تتم إلا في إطار الالتزام بالقانون"، وأضاف "إذا كانت معظم المواقف الدولية تتّصف بالموضوعية والواقعية، فإن ما يبعث على الأسف أن بعض الدول تتبنى، أحيانا، نفس المنطق، في تجاهل مفضوح، لما حققته بلادنا من منجزات، وخصوصا في مجال الحقوق والحريات"، مؤكدا أن "هذا الخلط والغموض في المواقف، يجعل طرح السؤال مشروعا، هل هناك أزمة ثقة بين المغرب وبعض مراكز القرار لدى شركائه الإستراتيجيين، بخصوص قضية حقوق الإنسان في أقاليمنا الجنوبية ، بل إن مجرد وضع هذا السؤال يوضح أن هناك شيئا غير طبيعي في هذه المسألة".
وخاطب محمد السادس رعاياه قائلا "إنني لا أريد أن أدخلك في الجوانب القانونية والسياسية لقضية وحدتنا الترابية، ومختلف قرارات مجلس الأمن ذات الصلة التي سبق لي أن تكلمت مرات عدّة بشأنها. ولكني سأوضح لك الأسباب وراء بعض المواقف المعادية للمغرب"، مشيرا أن "بعض الدول تكتفي بتكليف موظفين بمتابعة الأوضاع في المغرب. غير أن من بينهم، من لهم توجهات معادية للمملكة، أو متأثرون بأطروحات الخصوم. وهم الذين يشرفون أحيانا، مع الأسف، على إعداد الملفات والتقارير المغلوطة، التي على أساسها يتخذ المسؤولون بعض مواقفهم"، مشددا أن هذا الكلام يقوله لأول مرة، ولكنه يقوله دائما، وبصفة خصوصا لمسؤولي الدول الكبرى، وللأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة ومساعديه".
واسترسل مؤكدا أن "السّبب الرئيسي في هذا التعامل غير المنصف مع المغرب، يرجع، في الأساس، لما يقدمه الخصوم من أموال ومنافع، في محاولة لشراء أصوات ومواقف بعض المنظمات المعادية لبلادنا، وذلك في إهدار لثروات وخيرات شعب شقيق، لا تعنيه هذه المسألة، بل إنها تقف عائقا أمام الاندماج المغاربي"، في إشارة أخرى للجارة الجزائر دون أن يسميها. مؤكدا أن المغرب يتميز بـ"إجماعه الراسخ حول وحدته الترابية، وبتجنده الجماعي للتضحية في سبيلها. فالصحراء قضية المغاربة كلهم دون استثناء، وأمانة في أعناقنا جميعا".
وقال "المغرب ليست له، ولله الحمد، أي عقدة في التجاوب الإيجابي مع التطلعات المشروعة لمواطنيه، أينما كانوا"، مشيرا إلى أن المملكة قامت بإرادتها الخاصة على إحداث مؤسسات وطنية وآليات محلية، لحماية حقوق الإنسان والنهوض بها، مشهود لها بالاستقلال والمصداقية، وذلك وفق المعايير الدولية، فضلا عن الدور الذي تقوم به الأحزاب السياسية، والهيآت الجمعوية، ووسائل الإعلام".
وأضاف أن المغرب "يرفض أن يتلقى الدروس في هذا المجال (حقوق الانسان)، خاصة من طرف من ينتهكون حقوق الإنسان، بطريقة ممنهجة. ومن يريد المزايدة على المغرب، فعليه أن يهبط إلى تندوف، ويتابع ما تشهده عدد من المناطق المجاورة من خروقات لأبسط حقوق الإنسان".
واسترسل قائلا إنه "رغم المحاولات اليائسة لخصوم المغرب للمس بسمعته وسيادته، فإننا سنواصل التعاون مع الأمين العام للأمم المتحدة، ومع مبعوثه الشخصي، ومع الدول الصديقة، من أجل إيجاد حل سياسي ونهائي للنزاع المفتعل حول وحدتنا الترابية، في إطار مبادرتنا للحكم الذاتي، المشهود لها بالجدية والمصداقية وبروح الواقعية"، مشددا أن "المغرب لن يرهن مستقبل أقاليمه الجنوبية بتطورات قضية الصحراء، على المستوى الأممي، بل سيواصل النهوض بالتنمية الشاملة بربوعها".
وفي ما يتعلق بمسألة التنمية في محافظات الصحراء، قال عاهل البلاد "لا يخفى على أحد أنّ المغرب بذل مجهودات جبارة في سبيل تنمية أقاليمه الجنوبية"، مؤكّدا أنه في إطار التضامن الوطني "فإن جزءا مهمّا من خيرات وثروات المناطق الوسطى والشمالية للمغرب، يتوجه لتلبية حاجيات مواطنينا في الجنوب، وذلك عكس ما يروج له خصوم المغرب، من استغلال لثروات الصحراء. وهو ما تؤكده المؤشرات والمعطيات الاقتصادية الخاصة بالمنطقة"، كما أكد على حرص المملكة "على استكمال بلورة وتفعيل النموذج التنموي المحلي لأقاليمنا الجنوبية، الذي رفعه إلى نظرنا السامي المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي"، مضيفا أن "الأمر لا يتعلق بمجرد اقتراح حلول ترقيعية لظرفية طارئة، أو مشاريع معزولة لا رابط بينها، وإنما بمنظور تنموي متكامل، يرتكز على تحليل موضوعي لواقع الحال في أقاليمنا الجنوبية، ويهدف للتّأسيس لسياسة مندمجة، على المدى البعيد، في مختلف المجالات"، واسترسل قائلا "إننا نريده نموذجا متعدّد الأبعاد، عماده الالتزام بقيم العمل والاجتهاد والاستحقاق وتكافؤ الفرص، نموذجا متوجّها نحو المستقبل، تحتل فيه المرأة والشباب مكانة خاصّة".
وعلى المستوى الاقتصادي، يرتكز النموذج التنموي بأقاليم الصحراء على مشاريع استثمارية كبرى، كفيلة بتحفيز النمو الاقتصادي، وإنتاج الثروات وفرص العمل، وتشجيع الاقتصاد الاجتماعي والتضامني، وذلك ضمن تنمية مستدامة، تراعي الحفاظ على البيئة، وصيانة حقوق الأجيال الصاعدة، وخصوصا من خلال التركيز على الطاقات المتجددة".
وعلى المستوى الاجتماعي، أكّد محمّد السّادس أن النّموذج الاقتصادي "يقوم على سياسة جديدة، عمادها التضامن والإنصاف، وصيانة كرامة الفئات الهشّة، والنهوض بالتّنمية البشرية، وتوطيد التّماسك الاجتماعي".
وعلى المستوى الثّقافي "يتوخى النّمودج النهوض بالثقافات والخصوصيات المحلية، وذلك تجسيدا للمكانة الدستورية للثقافة الحسانية، كأحد مكوّنات الهوية المغربية الموحّدة، ولاسيما من خلال إدماجها في البرامج الدراسية، وتثمين التّراث المعماري، وتشجيع الإبداع الفنّي في المنطقة".
وقال عاهل المغرب إن هدفه الأسمى هو "جعل الأقاليم الجنوبية للمغرب فضاء للتنمية المندمجة، والعيش الكريم لأبنائها، وتعزيز بُعدها الجيو-استراتيجي، كقطب إقليمي للربط والمبادلات بين أوروبا وإفريقيا جنوب الصحراء".
وخاطب أبناء الشعب المغربي، مشددا أن الأقاليم الجنوبية للمغرب "ظلّت عبر التاريخ، تشكّل العمق الأفريقي للمغرب، لما تجسده من روابط جغرافية وإنسانية وثقافية وتجارية عريقة، بين بلادنا ودول أفريقيا جنوب الصحراء".
وفيما يتعلق بأفريقيا، قال وارث عرش الحسن الثاني إن "المغرب حرص منذ استقلاله، على التعاون المثمر، والتضامن الفعّال مع هذه الدول، والمساهمة في تحقيق تطلّعات شعوبها، إلى التّنمية والاستقرار"، مُشيرا أن "المغرب، العضو المؤسس لمنظمة الوحدة الإفريقية، رغم أنه ليس عضوا في الاتحاد الأفريقي، فإنه يعمل على تعزيز وتنويع علاقاته الاقتصادية، وتشجيع الاستثمارات المتبادلة مع دول القارة، سواء على المستوى الثنائي، أو في إطار الهيئات ".
وقال محمد السادس إن المغرب " يعمل جاهدا على نصرة قضايا القارة الأفريقية، وخصوصا التنموية منها"، مشيرا إلى أن المغرب "حرص على إضفاء دينامية متجددة على هذه العلاقات، و ما فتئ يعمل سويا، مع أشقائه، لما يجمعنا بهم من أواصر عميقة من الأخوة والمحبة والتفاهم، على إعطائها طابعا إنسانيا، والارتقاء بها إلى شراكات تضامنية مثمرة.وهو ما تجسده الزيارات التي قام بها لعدد من الدول الأفريقية الشقيقة، بما تحمله من مشاريع تنموية ملموسة، تعطي الأولوية للتنمية البشرية، وتوفير البنيات التحتية، وكذا توطيد الروابط الدينية والروحية، التي تجمع، على الدوام، شعوبها الشقيقة في المغرب.
وأكد أن المغرب "يضع تجربته رهن إشارة أشقائه الأفارقة، في مختلف المجالات ذات الاهتمام المشترك، مع الحرص على تبادل الخبرات، وإشراك القطاع الخاص، وهيئات المجتمع المدني"، كما دعا الحكومة إلى "تعزيز سبل التنسيق والتعاون مع هذه الدول الشقيقة، في مختلف المجالات، وخصوصا من أجل عقد اتفاقيات للتبادل الحر معها، في أفق تحقيق اندماج اقتصادي"، مشيرا أن المملكة "لم تدخر جهدا في سبيل إرساء السلم والاستقرار، بمختلف مناطق القارة، والمساهمة في حل النزاعات بالطرق السلمية، والمشاركة في عمليات حفظ السلام، برعاية الأمم المتحدة.
واسترسل قائلا إن "المغرب ما فتئ يؤكد على ضرورة التصدي للتهديدات الأمنية التي تعرفها منطقة الساحل والصحراء، التي أضحت فضاء لجماعات التطرف والإرهاب وتهريب المخدرات والاتجار في البشر والسلاح، بما لها من تداعيات وخيمة على تنمية واستقرار المنطقة"، مشددا أن دعم المملكة لجمهورية مالي في مواجهتها لعصابات التطرف والإرهاب، وحضوره شخصيا في مراسم تنصيب رئيسها الجديد، إلا "تعبير عن التزامه الصادق بنصرة قضايا السلم والشرعية في دول القارة".
وبخصوص العلاقات التي تجمع المغرب بدول إفريقيا جنوب الصحراء، قال إن العلاقات "ليست سياسية واقتصادية فقط، وإنما هي في العمق روابط إنسانية وروحية عريقة"، مشددا أن "الأوضاع التي تعرفها بعض هذه الدول، فإن عددا من مواطنيها يهاجرون إلى المغرب، بصفة قانونية، أو بطريقة غير شرعية، حيث كان يشكل محطة عبور إلى أوروبا، قبل أن يتحول إلى وجهة للإقامة".
وبخصوص قضية الهجرة أشار في خطابه إلى أنه "أمام التزايد الملحوظ لعدد المهاجرين، سواء من أفريقيا أو من أوروبا، فقد دعا الحكومة لبلورة سياسة شاملة جديدة، لقضايا الهجرة واللجوء، وفق مقاربة إنسانية، تحترم الالتزامات الدولية للبلاد وتراعي حقوق المهاجرين".
وأكد أن الاهتمام الذي يوليه لمجال الهجرة، حرص على تكليف قطاع وزاري متعلق بقضايا الهجرة.، وهو ما يكرس مصداقية المغرب في مجال حقوق الإنسان، والتجاوب الواسع الذي لقيته هذه المبادرة من الأطراف المعنية مباشرة بهذه الإشكالية، وخصوصا الدول الشقيقة جنوب الصحراء، ودول الاتحاد الأوربي، ومختلف الفعاليات والمنظمات الأممية والدولية، المعنية بظاهرة الهجرة وحقوق الإنسان"، وتعزيزا لهذا التوجه، أشار أن المغرب "قدم على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة لهذا العام، مبادرة “التحالف الإفريقي للهجرة والتنمية”. وهي مبادرة تقوم على منظور أفريقي مشترك، وعلى مبادئ إنسانية لقضايا الهجرة، وعلى المسؤولية المشتركة، بين دول المصدر والعبور والاستقبال، وكذا على الترابط الوثيق بين الهجرة والتنمية"، مشيرا أن "إشكالية الهجرة تهم كل الدول والشعوب"، مناشدا المنتظم الدولي للانخراط القوي في معالجة هذه الظاهرة، لتفادي ما تسببه من كوارث إنسانية، كالمأساة التي شهدتها، أخيرا، سواحل جزيرة لامبيدوزا الإيطالية، والتي كان لها الوقع الأليم في نفوسنا جميعا".
وفي ختام خطابه أكّد أن تعزيز انفتاح المغرب على محيطه الأفريقي، ومواصلة الدّفاع عن الوحدة التّرابية للمملكة، والنّهوض بتنمية أقاليمه الجنوبية، تعدّ خير وفاء للقسم الخالد للمسيرة الخضراء، وللروح الطاهرة لقائدها الملك الحسن الثاني، ولأرواح شهداء الوطن الأبرار، مشيرا أنه مناسبة لتوجيه تحيّة تقدير وتنويه لمكونات القوّات المسلّحة الملكيّة والقوات المساعدة والأمن الوطني والوقاية المدنية والإدارة الترابية، على تجندهم الدّائم وتفانيهم في الدّفاع عن حوزة الوطن وأمنه واستقراره".
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر