الرباط – رضوان مبشور
الرباط – رضوان مبشور
وجه العاهل المغربي الملك محمد السادس، رسالة للمشاركين في أعمال المؤتمر الرابع لمنظمة المدن والحكومات المحلية، المنعقدة في العاصمة الرباط في الفترة ما بين الفاتح والرابع من تشرين الأول/أكتوبر الجاري، والتي افتتحت بشكل رسمي الأربعاء، وتلاها نيابة عنه، عمدة مدينة الرباط فتح الله ولعلو.
وأعرب العاهل المغربي في رسالته عن اعتزازه بانعقاد هذا الملتقى المهم، لأول مرة بالقارة الأفريقية، وبالضبط في عاصمة
المملكة المغربية"، مرحبا في ذات الوقت بـ"الفعاليات والنخب المرموقة المشاركة فيه، من مسؤولين حكوميين، وممثلي السلطات المحلية، والمنظمات الدولية، والمؤسسات المالية العالمية، ومن فاعلين اقتصاديين، للتداول بشأن الإشكالات المرتبطة بالتنمية والديمقراطية المحلية في مواجهة الأزمات الدولية".
ونوه عاهل المغرب في معرض رسالته بـ"المكانة المتميزة، التي تحظى بها منظمة المدن والحكومات المحلية على الصعيد الدولي، بفضل الجهود القيمة الموصولة للمشرفين عليها، حيث أصبحت مكانا متميزا لتبادل الآراء والخبرات، من أجل النهوض باللامركزية على أرض الوطن، وإشاعة قيم الديمقراطية والتضامن والحوار والتعايش والتسامح"، مؤكدا أن "النتائج الإيجابية المنبثقة عن الدورة السابقة للمؤتمر العالمي لمنظمة المدن والحكومات المحلية، المنعقدة في مكسيكو عام 2010، خير دليل على ما تتمتع به قيادات هذه المنظمة، من وعي بأهمية الاستعداد المبكر والمتواصل للجماعات الوطنية، وتطوير خبراتها وتجاربها، بما يضمن قدرتها على تجاوز المعوقات التي تواجهها، والتصدي لمختلف التحديات المطروحة عليها".
واعتبر محمد السادس انعقاد هذا الملتقى في المغرب "حافزا قويا للسلطات المحلية المنتخبة في بلادنا، للاستفادة من التجارب المتميزة للدول الرائدة في مجال اللامركزية والديمقراطية المحلية، والاستئناس بالمقاربات والإستراتيجيات الكفيلة بدعم وتعزيز منظومة الحكامة الترابية، بما يتلاءم وخصوصياتها المحلية".
وأشاد باختيار موضوع "تصور المجتمع وبناء الديمقراطية" كأرضية للنقاش وتبادل الآراء، آملا أن "تشكل هذه التظاهرة فرصة سانحة لتقديم الأجوبة الملائمة، عن الأسئلة الراهنة والملحة، التي تشغل بال الحكومات والمنتخبين، ومختلف الفاعلين، بشأن سبل تحسين جودة عيش المواطنين، وضمان دخول الخدمات الأساسية لهم، علاوة على مواكبة دينامية التحولات، التي تشهدها منطقة المتوسط، خصوصا على مستوى الحكامة الجيدة".
وأكد عاهل المغرب أن "النهوض بالتنمية الاقتصادية، وتشجيع الاستثمار في الرأسمال البشري، وتقوية التضامن بين الجماعات الترابية، واعتماد الابتكار لتدبير التنوع في أوساطها، والتحكم في مستقبل النمو الحضري بها، تشكل كلها انشغالات حالية تفرض ذاتها بحدة، في وقت يشهد فيه العالم تحولات اقتصادية واجتماعية عميقة ومتواترة، تجسد الأزمة الاقتصادية والمالية الحالية أحد أهم تجلياتها، مما يقتضي تضافر جهود الحكومات المركزية والحكومات والمحلية، من أجل العمل على تجاوز الانعكاسات السلبية لهذه الأزمة".
وقال الملك محمد السادس إن المغرب تبني في هذا الإطار "إصلاحات جوهرية، في مقدمتها دسترة الهيئات المتقدمة، التي تهدف إلى إقرار تنظيم وطني متكامل، يؤسس لمرحلة جديدة في مسار تقوية الديمقراطية المحلية، وترسيخ مكانة الجماعات كشريك أساسي في الوطن، بجانب الدولة والقطاع الخاص، في تدبير قضايا التنمية"، مشيرا إلى أن المغرب "قدم مبادرة لتخويل أقاليمنا الجنوبية حكما ذاتيا، يتيح لسكان المنطقة التدبير الديمقراطي لشؤونهم المحلية، في إطار وحدة المملكة وسيادتها على كامل أراضيها، ويراعي خصوصياتهم الاجتماعية والاقتصادية وأصالتهم الثقافية، باعتبارها من روافد الهوية المغربية الموحدة ، الغنية بتعدد مكوناتها".
وأضاف أن "المغرب قام بجهود جبارة لبلورة هذه المبادرة الطموحة، وفق مقاربة تشاركية واسعة، منفتحة على جميع الفعاليات الوطنية، وخصوصا سكان الأقاليم الجنوبية للمملكة، وهي الجهود التي ما فتئ مجلس الأمن يؤكد على جديتها ومصداقيتها.وقال "وأنتم، معشر المنتخبين، تعلمون أكثر من غيركم، بأن الحكم الذاتي يعد جوابا عصريا وفعالا، على تطلعات ساكنة المنطقة لتحقيق المصالحة، والنهوض بالتنمية، والعيش في إطار الحرية والكرامة، وفي ظل الأمن والاستقرار.
وأكد عاهل المغرب مخاطبا المؤتمرين بالقول أن "انخراط المغرب المستمر في مسلسل نظام اللامركزية يتجلى، على الخصوص، في التوسيع التدريجي لمجال اختصاصات وتدخلات الجماعات التي تشترك في أرض الوطن، لتنهض بأدوارها التنموية على الوجه الأفضل، إذ لم يعد مستساغا اليوم، من منظور الحكامة الترابية الجيدة، أن يحتكر المستوى المركزي مسؤولية تحديد الاستراتيجيات التنموية، التي تستهدف المستوى الوطني".
وأردف قائلا إنه "تفعيلا لمبدأ التدبير الديمقراطي للجهات والجماعات الترابية الأخرى، المنصوص عليه في الدستور الجديد للمملكة، فقد تم الانتقال من الوصاية الإدارية التقليدية على أعمال هذه الجماعات، إلى تعزيز نظام الرقابة البعدية للقضاء الإداري والمالي عليها، مما من شأنه أن يتيح لها هامشا أكبر لاتخاذ قراراتها، في إطار من الاستقلالية المسؤولة، ووفق قواعد وضوابط دولة الحق والقانون".
واسترسل قائلا "ووعيا منا بجسامة المسؤوليات الملقاة على عاتق مختلف المسؤولين الفاعلين الجهويين والمحليين، في مجال التأسيس لحكامة جيدة، اقتصادية واجتماعية وتنموية، على المستوى الترابي، ما فتئنا نحث الدولة على مدهم بالآليات القانونية ، والوسائل المالية والبشرية الضرورية، حتى يتمكنوا من الاضطلاع الأمثل بالمسؤوليات المنوطة بهم في مجال التنمية، وتدعيم خدمات القرب، التي أضحت اليوم مطالب ملحة، يتعين الاستجابة الملائمة لها، وإدراجها في صلب اهتمامات السياسات العمومية المحلية".
وأشار ملك المغرب في معرض رسالته إلى أنه "توطيدا للمكتسبات الديمقراطية التي حققها المغرب، واستشراف رؤية جديدة لبناء مؤسسات عصرية، قوامها المشاركة الفاعلة لمكونات المجتمع كلها، فقد حرصنا على إدماج مقاربة النوع في السياسات العمومية، لتمكين المرأة المغربية من تعزيز مساهمتها، وتدعيم دورها كفاعل لا محيد عنه في مختلف المجالات".
وبخصوص موضوع الشباب والسياسة، أكد محمد السادس أن المغرب "فتح أمام الشباب آفاق المشاركة السياسية الواسعة، للإسهام بعبقريته ومؤهلاته في تدبير الشأن العام، فضلا عن دوره الفعال في مختلف مناحي الحياة الوطنية".
وشدد على أن "رفع الجماعات الترابية لتحديات التنمية المحلية والمستدامة، رهين بقدرتها على تفعيل آليات التعاون والتضامن في ما بينها، وتعزيز قنوات التشاور وتبادل الأفكار والخبرات، وذلك من خلال الانخراط الفاعل في مختلف الأنظمة والشبكات التعاونية والتشاركية،على المستوى الوطني، أو الإقليمي أو الدولي".
وبخصوص المجال الاجتماعي، أكد أن "المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، التي أطلقها المغرب في أيار/مايو 2005، شكلت ورشا نموذجيا في مجال السياسات العمومية، يهدف إلى التصدي للاختلالات التي تعرفها المناطق والأحياء، التي تعاني الفقر والهشاشة، من خلال العمل على تحقيق تنمية منسجمة ومستدامة، تجعل من الإنسان محور الأولويات الوطنية، وجوهر الرهانات الديمقراطية والتنموية، وذلك وفق منهجية جديدة في العمل الاجتماعي، تقوم على المشاركة والشراكة، والفعالية والمساءلة، مما يجعلها في تناسق تام مع المبادئ الأساسية لمنظمة المدن والحكومات المحلية، وفي انسجام كامل مع أهداف الألفية للتنمية".
وخاطب المؤتمرين قائلا "إن المملكة المغربية تشاطر منظمتكم الأهداف والطموحات المشروعة كافة، في إقامة جماعات تشترك في أرض الوطن تنعم بالأمن والطمأنينة، وتعبر عن مساندتها التامة للإستراتيجية المعتمدة من لدن منظمتكم، من أجل تعزيز مكانتها في الحكامة الدولية، عن طريق الأمم المتحدة، وتؤيد المبادرات الرامية إلى المزيد من النهوض بمبادئ اللامركزية، وتطوير الديمقراطية المحلية، باعتبارها مطلبا مشروعا للشعوب كافة".
وأعرب عن "تأييده التام لما خلص إليه المؤتمر الثالث لمنظمة المدن والحكومات المحلية، المنعقد في مكسيكو، بخصوص تعزيز دور الثقافة كركيزة رابعة للتنمية المستدامة، إلى جانب النمو الاقتصادي والإدماج الاجتماعي والتوازن البيئي، ذلك أن العالم لا يواجه تحديات اقتصادية واجتماعية وبيئية فحسب، بل إن الإبداع والمعرفة والتنوع والجمال، تعد ركائز أساسية للحوار من أجل السلام والتقدم".
وأكد أنه على يقين أن "أعمال هذا المؤتمر المهم، ستخلص إلى تبني مقاربات عملية ، واقتراحات وتوصيات في مستوى الأهداف المنشودة من طرف منظمتكم ، والتي ستساهم لا محالة في تقوية جسور التواصل، وتعزيز أواصر التعاون بين الجماعات الترابية والحكومات المحلية، والارتقاء بالحكامة الترابية، وتدبير الشأن المحلي إلى مستوى طموحات شعوبنا جميعا".
ودعا المؤتمرين لـ"التفكير في أفضل الحلول الممكن اعتمادها في مختلف المجالات المحلية، وتحديد أنجع السبل والوسائل العلمية الكفيلة بالنهوض بأساليب الحكامة الجيدة لتدبير المدن".
وبخصوص الانتظار والتحديات التي تواجه الجماعات الترابية، قال إن "جزءا كبيرا منها يرتبط بالارتقاء بدورها كفاعل اقتصادي، وهي مطالبة إلى جانب الدولة طبعا، باستقطاب الاستثمارات المنتجة للثروات ولفرص العمل، والتي من شأنها تأمين العيش الأفضل للمواطنين، والإسهام بفعالية في تجاوز الإشكاليات الاقتصادية المطروحة"، مشددا على أن "ما تتميز به الجماعات الترابية من هامش واسع للتحرك، سيساعدها دون شك، على القيام بهذا الدور المهم، على الوجه المطلوب، خصوصا من خلال إعمال آلية التسويق الوطني لمجالاتها ومؤهلاتها، وتسخير ما تتوفر عليه من قنوات في مجال الدبلوماسية الموازية، من أجل التقريب بين الدول، وتوطيد وشائج الأخوة والتضامن بين الشعوب، ونسج علاقات التعاون اللامركزي بين النخب المحلية والعالمية".
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر