تونس ـ أزهار الجربوعي
أثارت تصريحات وزير الداخلية التونسي لطفي بن جدو بشأن "جهاد النكاح"، حملة من الانتقادات، داخليًا وخارجيًا، حيث اعتبرت المعارضة أن حديث بن جدو ينطوي على قدر كبير من التضخيم للواقع، ويرمي إلى تشتيت الأنظار عن الأزمة السياسية والأمنية التي تعيشها البلاد، وهو ما من شأنه الإساءة إلى الشعبين السوري والتونسي على حد سواء.
وركزت حملة الانتقادت، على أن "وزير الداخلية قد جانب الصواب، وجنح
نحو الإثارة الإعلامية، لتعليق إخفاقات وزارته وخيبات الحكومة التي يقود بن جدو أحد حقائبها السيادية، على شماعة "جهاد النكاح"، حيث أفاد في تصريحاته الأخيرة ، "عودة عدد من البنات التونسيين من سورية يحملن ثمرة علاقات جنسية غير شرعية تحت مُسمى جهاد النكاح"، والتي صدمت الرأي العام التونسي والأجنبي، خصوصًا أن الشعب التونسي لم يعهد لهذا المفهوم من قبل، ولم يسمع عنه في أكبر معاقل المتطرفين في العالم.
وتأتي قصة "جهاد النكاح"، بينما يواجه وزير الداخلية التونسية اتهامات في قضايا مرفوعة ضده بشأن تقصير أمني محتمل في حماية زعيم حزب "التيار الشعبي" محمد البراهمي، الذي تم اغتياله في 25 تموز/يوليو الماضي، وذلك عقب تسريب وثيقة استخباراتية، تفيد بأن وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية قد حذرت وزارة الداخلية التونسية بشأن إمكان استهداف البراهمي بالقتل من قِبل مجموعة سلفية متشددة، قبيل اغتياله بنحو 11 يومًا، ورغم ذلك لم يتم توفير الحماية للمعارض الراحل ولا حتى إشعاره وعائلته بورود تهديد في شأنه، وهو ما جعل مراقبون يرون أن لطفي بن جدو اندفع من جديد نحو فزّاعة "جهاد النكاح"، والفرقعات الإعلامية التي ستشتّتُ أنظار الرأي العام عن الأزمات الأمنية والسياسية، التي تتخبط فيها الحكومة التونسية ووزارة الداخلية.
وقد كسر بن جدو حاجز الصمت، وأعلن أن وزارته مخترقة من قِبل رموز النطام السابق وأصهار الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، من دون أن يخفي محاولات بعض الأحزاب السياسية التقرّب من رجال الأمن وكسب ودهم، في محاولة إلى استمالتهم ليعملوا لصالحهم بشكل أو بآخر، وهو ما برّر به وزير الداخلية تسريب الوثائق الاستخباراتية، التي يمكن أن تدين وزارته بشأن التقصير في حماية المعارض البراهمي، والتي زلزلت عرشه، ورفعت أصوات المطالبين باستقالته، إلا أنه شدد على أن القيادات الأمنية في وزارة الداخلية، قد تعاملت مع الوثيقة بجديّة ولم تكشف تحرياتها وجود أية تهديدات محتملة على حياة المعارض التونسي، وأن وزارته تلقت تحذيرات مشابهة، لكنها لم تكن واقعية ولم تتلوها اغتيالات.
وبعد تصريحه الشهير في جلسة المساءلة أمام المجلس التأسيسي التونسي، الذي استفز التونسيين، واعتبره البعض مسّا من كرامة نسائهم وحرائرهم، والذي قال فيه وزير الداخليّة، "بناتنا يتداول عليهن عشرون وثلاثون ومائة (مقاتل)، ويرجعن إلينا يحملن ثمرة الاتصالات الجنسية باسم (جهاد النكاح) من دون أن نعرف هوية والنسب الحقيقي للضحايا الذين حملن بهن، ونحن مكتوفو الأيدي"، فيما حاول لطفي بن جدو تبرئة نفسه وتبرير موقفه من التهم والتحليلات والانتقادات التي لحقت به.
وأصدر وزير الداخلية، بيانًا قال فيه، "إنّ ظاهرة تسفير الشباب والشابات إلى سورية ظاهرة تشمل دولاً عدّة، ولا تقتصر على البلاد التونسية، وإنما وقع تناول الموضوع داخل المجلس الوطني التأسيسي، في استعراض لبعض المشاكل الأمنية في البلاد"، مؤكدًا أن "وجود بعض الحالات هو الذي حدا بتناولها في هذا الإطار، وما تشكّله من خطر على المجتمع، وعلى صورة تونس في الخارج، وهو الذي حدا بطرحه من باب الشفافية وحق المواطن في المعلومة".
وأكدت وزارة الداخلية، أنها اتخذت إجراءات عدة "لحماية أبنائنا وصون بناتنا" ولمكافحة هذه الحالات، خصوصًا في صورة توافر معلومات مؤكدة في الغرض أو في صورة تدخّل عائلات من اعتزم السفر إلى سورية، مشددة على أنها فككت شبكات عدة لتسفير الشباب خارج تونس، وبلغ عدد الموقوفين فيها أكثر من 80 عنصرًا".
وما زاد في غموض رواية الوزير وضبابية موقفه، الذي جلب له حملة مضادة، أنه لم يذكر حالات بعينها، أو يقدم ما يفيد من أرقام بشأن هذه الظاهرة التي عمّمها في المطلق، قبل أن يخصصها لاحقًا في "بعض الحالات" ليدافع عن نفسه، إلا أن تقارير إعلامية تونسية تناولت قصة فتاة تونسية عادت من سورية مصابة بـ"الإيدز"، وتحمل جنينًا في شهره الخامس، بعد أن اعترفت أنها وقعت ضحية ما يُسمى بـ"جهاد النكاح".
ونقلت صحف مغربية، عن لسان المغرر بها التي تُدعى لمياء (19 عامًا)، المأساة التي عانتها، واعترافها بممارسة الجنس مع باكستانيين وأفغان وليبيين وتونسيين وعراقيين وسعوديين وصوماليين في سورية، تحت ستار "جهاد النكاح"، موضحة أن "أول من استمتع بها في مدينة حلب السورية شخص يمني يقود مجموعة مسلحة، وأنها لا تعرف عدد الشواذ الذين نكحوها، ولكنها كانت في كل عملية جنسية تعي جيدًا معنى إهدار الكرامة الإنسانية على يد وحوش لا يترددون في استعمال العنف لإرغامها على ممارسة الجنس، بطريقة لا غاية منها إلا إذلال المرأة وإهانة ذاتها وتحقير إنسانيتها، وأنها تعرضت لعملية تغرير وغسيل مخ، أقنعها على إثرها جلادها بأنه يمكن لها أن تنال ثواب الجهاد والقضاء على أعداء الإسلام، بمجرد الترويح عنه وعن غيره من المجاهدين بعد كل غارة على أعدائه".
وبعيدًا عن مدى صحة هذه الروايات الإعلامية وواقعية تصريحات وزير الداخلية التونسية، وعن حجم الظاهرة التي تحدث عنها عمومًا، ولجأ إليها كلما اشتد الخناق وحامت الاتهامات والشكوك بشأن وزارته، أكد محللون أن "قضية جهاد النكاح تقف وراءها مؤامرة لتشويه مفهوم الجهاد الحقيقي في الإسلام، وطمس معالم المقاومة من قبل بعض الموالين للحكومة السورية وجيشها الإعلامي، الذي أراد أن يصنع من الجهاد تهمة ألصقت بحركات الإسلام السياسي"، فيما اعتبرها آخرون دليلاً على أن "المعارك السياسية في سورية والعالم العربي قد فقدت جميع المقاييس الأخلاقية وتخطت جميع الحواجز في سبيل الذود عن مصالحها والدفاع عن وجودها، من دون أن تقيم وزنًا لكرامة شعوبها ونسائها، التي جعلت منها مجرد (أداة جنسية) لخدمة أغراض سياسية".
ورغم أن رواية وزير الداخلية التونسي بشأن "جهاد النكاح"، كان يُعوَّل من ورائها على تخفيف حدة الانتقادات الموجهة إلى الحكومة، التي تتخبط في أزمات سياسية واقتصادية وأمنية خانقة، إلا أن القضية جاءت بردود فعل عكسية، ورفعت من وتيرة الاتهامات الموجهة إلى الحكومة التي يقودها حزب "النهضة" الإسلامي الحاكم، وأضافت إلى رصيده اتهامات جديدة بالتشجيع على العنف والتطرف وتهديد حقوق المرأة ومكتسابتها وتشييئها، وأمام الفخ الذي وضعته الحكومة المحسوبة على "الإسلام السياسي" وسقطت فيه، بأن ضاعفت الهجمات الموجهة إليها من قبل خصومها السياسيين، لجأ وزير الداخلية إلى سياسة الهروب أكثر إلى الأمام، ليجدد إعلانه أنه من بين الشخصيات المهددة بالاغتيال، فمن ذا الذي يجرؤ على محاسبة وزير مهدد بعد اليوم.
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر