تونس ـ أزهار الجربوعي
أعلنت وزارة الداخلية التونسية مساء السبت، أنها أحبطت محاولة اغتيال شخصية سياسية ثالثة، في محافظة سوسة، وسط البلاد، مؤكدةً إيقاف عنصرين إرهابيين خطيرين، فيما أكدت مصادر أمنية لـ"المغرب اليوم" أن أجهزة الأمن المختصة ماتزال تلاحق إرهابياً ثالثاً بعد فراره وتبادل إطلاق النار معه إلى حدود ساعات الفجر الأولى من صباح الأحد، يأتي ذلك فيما يحتشد أكثر من
300 ألف من أنصار حزب "النهضة الإسلامي" الحاكم وشركائه في إئتلاف "الترويكا" في ساحة الحكومة في القصبة, لإحياء مليونية الشرعية والوحدة الوطنية، منظمين مهرجاناً خطابياً, بمشاركة مجموعة من الوزراء ونواب التأسيسي وقيادات الإئتلاف الحاكم وزعيم النهضة راشد الغنوشي, الذي أكد أمام عشرات الألاف من أنصاره, أن إسقاط المجلس التأسيسي وتغيير رئيس الحكومة خط أحمر, مهدداً باللجوء إلى الاستفتاء على شرعية الحكومة.
وأعلنت وزارة الداخلية التونسية في ساعة متأخرة من مساء السبت، أن وحداتها المختصة تمكنت خلال الـ48 ساعة الماضية من إحباط عملية اغتيال سياسي في محافظة سوسة (140 كم جنوب العاصمة)، كانت تستهدف إحدى الشخصيات البارزة صبيحة أمس الجمعة, ويفترض أن يكون الجمعة 2أب/أغسطس 2013 موعد تنفيذها، وذلك بعد ورود معلومات استخباراتية مؤكدة في هذا الشأن .
وقد رفض المدير العام للأمن الوطني وحيد توجاني خلال ندوة حول الإرهاب, الكشف عن هوية الشخصية السياسية التي تعرضت لمحاولة اغتيال، إلا أن تسريبات خاصة قد رجحت بـ"العرب اليوم" أن يكون كمال مرجان رئيس حزب "المبادرة" ووزير الخارجية الأسبق في عهد زين العابدين بن علي، هو المستهدف من عملية الاغتيال التي أفشلتها أجهزة الأمن والمخابرات التونسية .
وأوضحت وزارة الداخلية أنها اعتقلت عنصرين إرهابيّين مصنّفين خطيرين جدّاً في مرحلة أولى من العملية، قبل أن تقوم الوحدات الأمنية في مرحلة ثانية بمداهمة إرهابي ثالث في مدينة سهلول من محافظة سوسة وسط البلاد، الذي تبادل إطلاق النار مع الأعوان, مستعملاً رشاشاً آليّاً وقنبلتين يدويّتين، ومازالت أجهزة الأمن تلاحقه بعد أن لاذا بالفرار.
وأكدت وزارة الداخلية أن وحداتها تمكنت من حجز مجموعة من الأسلحة وعدد من القنابل اليدويّة ومجموعة من الوثائق في منزل المجموعة المذكورة.
وعلم "المغرب اليوم" من مصدر أمني موثوق وشهود عيان, أن عملية المطاردة الجارية حالياً والمتواصلة إلى ساعات الفجر الأولى من الأحد، متمركزة قرب غابة الزيتون المحاذية للطريق الحزامية قبالة جامع الصحابة في المنطقة التي تقع بين مدن حمام سوسة والقلعة الصغرى، وسط شرقي تونس .
من جهتها جدّدت وزارة الداخلية دعوة جميع وسائل الإعلام إلى الاعتماد فقط على المعطيات الرسمية الصادرة عن الوزارة، وذلك ضماناً لحسن سير العملية، داعية المواطنين إلى الإسراع بإعلام الوحدات الأمنية بكلّ ما يثير الريبة والشبهة.
وقال مسؤول عسكري، إن من بين الأسباب التي أدت إلى عدم الكشف عن المخططات الإرهابية, هو عدم تعاون المواطن وعدم تحمسه للإبلاغ عن المعلومات التي قد تتوفر لديه لدى المصالح الأمنية، وعزا ذلك إلى فقدان ثقته في مؤسسات الدولة.
من جانبه دعا رئيس الحكومة التونسية، إثر اللقاء التشاوري الذي جمعه بعدد من الأحزاب السياسية والجمعيات والشخصيات الوطنية, بحضور وزراء الداخلية والعدل والدفاع والشؤون الدينية والشؤون الخارجية، مساء السبت، إلى إيلاء قضية مكافحة الإرهاب الأولوية القصوى, وإعلائها فوق كل التجاذبات السياسية والمصالح الحزبية الضيقة، مشدداً على ضرورة توحيد صفوف الشعب التونسي بمختلف أطيافه وألوانه السياسية, لمحاربة هذه الأفة, التي اعتبرها خطر حقيقياً على أمن تونس والتونسيين .
وحذر رئيس الحكومة من الانقسام بين مختلف التيارات السياسية قائلاً، "إن مكافحة الإرهاب تحتاج إلى المثابرة وإلى العمل الدؤوب, من أجل تطوير الخطط وطرق العمل والتشاور المتواصل, من أجل تطويق الظاهرة والقضاء عليها".
وأضاف أن مقاومة آفة الإرهاب هوعمل جماعي لا تختص به جهة دون غيرها, بل هو خطة متكاملة تشترك فيها وزارة الدفاع والعدل ووسائل الإعلام من حيث عدم تضخيم المعلومة أو نشر الشائعات في بعض الأحيان إلى جانب المجتمع المدني.
كما شدد رئيس الحكومــة على العريض على أن تطبيق قانون الإرهاب المثير للجدل والذي وضعه الرئيس السابق زين العابدين بن علي لسنــة 2003، سيبقى ساري المفعول .
وقال العريض إثر لقاء جمعه بعدد من رؤساء وممثلي الأحزاب السياسية والجمعيات المهنية إلى جانب ثلة من القيادات الأمنية والعسكرية والشخصيات الإعلامية والوطنية إلى جانب عدد هام من أعضاء الحكومة، على أن المجتمعين تطرقوا إلى أليات تنفيذ قانون الإرهاب مع التحفظ على الجزء الذي يتضمن انتهاكاً لحقوق الانسان .
وقد أثار إعلان الحكومة التونسية إحباط محاولة اغتيال سياسي ثالثة ارتياحاً في الصفوف الشعبية التي أشادت بجهود قوات الأمن والاستخبارات الاستباقية، ونجاحها في كشف عملية اغتيال سياسي ثالثة قبل وقوعها، كان من شأنها الدفع بالوضع الأمني والسياسي نحو المجهول، خاصةً وأن البلاد لم تتعاف بعد من الأزمة السياسية والأمنية التي فجرها اغتيال المعارض محمد البراهمي منذ أسبوعين رمياً بالرصاص في بيته، إلى جانب مقتل ثمانية من الجنود في كمين إرهابي على الحدود الجزائرية، بينما يواصل خبراء الأمن تحذير الرأي العام ودعوته للتحلي باليقظة وتجنب التواجد بالساحات العامة والمكتظة التي يمكن أن تكون أهدافاً لعمليات إرهابية، إلا أن هذه الدعوات لم تثن الألاف من أنصار حزب "النهضة الإسلامي الحاكم" وشركائه في إئتلاف الحكم التكتل والمؤتمر من أجل الجمهورية، من المشاركة في مليونية الوحدة الوطنية ونصرة الشرعية التي مازالت متواصلة إلى غايات ساعات الفجر الأولى من الأحد 3 أب/أغسطس 2013.
وبحسب ما أكدته مصادر أمنية لـ"المغرب اليوم" فإن التقديرات الأولية تشير إلى أن عدد المشاركين في مليونية الشرعية التي دعت إليها الحركة في ساحة القصبة في العاصمة, فاق الـ 300 ألف، فيما طلبت النهضة من أنصارها التوقف عن التوجه إلى التظاهرة بسبب الازدحام وقطع الطرق المؤدية إلى ساحة القصبة بفعل الاكتظاظ الشديد.
من جهته، أكد القيادي في حزب "النهضة الإسلامي الحاكم"، رياض الشعيبي لـ"العرب اليوم" أن حركة النهضة متجذرة داخل كل فئات الشعب التونسي، وأنها أرادت من وراء مليونية الشرعية العودة من جديد إلى الشعب الذي انتخبها ومنحها الأغلبية يوم 23تشرين الأول/ أكتوبر 2011 في انتخابات المجلس الوطني التأسيسي.
وأضاف أن النهضة إلتجأت للنزول إلى الشارع، رداً للأصوات التي تعالت داعية إلى الاحتكام إلى الشارع، مدعية أنها الأغلبية المعبرة عن مطالبه.
وفي كلمة أمام الألاف من أنصاره، شدد رئيس حزب "النهضة الإسلامي الحاكم" راشد الغنوشي, على تمسكه بـ"علي العريض" رئيساً للحكومة قائلاً "إن تغيير رئيس الحكومة خط أحمر, وإذا أردتم الاستفتاء على الشرعية غداً فنحن مستعدون".
كما دعا الغنوشي الشعب التونسي إلى الوحدة وطالب من أنصاره التخلي عن رفع الرايات الحزبية والاكتفاء باعلاء راية الوطن التونسية فقط.
وتوجه الغنوشي إلى المعارضة بالقول، "صدّعتم أذاننا بالديمقراطية وأنتم تعلمون جيداً أن الديمقراطيات لا تُسقط حكوماتها إلا عبر الانتخبات وصناديق الاقتراع".
وعاين "المغرب اليوم" من قلب "مليونية الشرعية والوحدة الوطنية" التي نظمتها حركة النهضة الإسلامية الحاكمة في تونس، مشاركة واسعة لأحزاب ائتلاف "الترويكا" الحاكم (النهضة،التكل،المؤتمر من أجل الجمهورية)، فضلاً عن عدد من وزراء حكومة علي العريض على غرار وزير أملاك الدولة والشؤون العقارية سليم بن حميدان ووزيرة المرأة سهام بادي، وهما قياديين في حزب "الرئيس التونسي المنصف المرزوقي المؤتمر من أجل الجمهورية"، كما لوحظت مشاركة واسعة لأنصار حزب "وفاء" الذي يقوده المعارض عبد الرؤوف العيادي، وعدد من الأحزاب والحركات والجمعيات الإسلامية.
كما حضر في التظاهرة نواب المجلس الوطني التأسيسي الذي رددوا القسم أمام عشرات الألاف من أنصار ائتلاف الحكم في تونس، متعهدين بحماية الثورة والإنتصار لدماء الشهداء.
وكان النائب عن حركة النهضة في المجلس التأسيسي الحبيب اللّوز, قد دعا إلى حشد أنصار النهضة في مسيرة وصفها بالمليونية، لدعم الثقة في الحكومة المنتخبة شرعاً عبر صناديق الإقتراع, وللوقوف سداً منيعاً أمام كل من يخطط لعرقلتها حسب قوله، في حين طالب تيار أنصار الشريعة السلفي الجهادي إلى مقاطعة مسيرة الشرعية التي نظمتها حركة النهضة.
ورغم أن مراقبين اعتبروا أن حركة النهضة وحلفاءها قد نجحوا في اثبات شعبيتهم التي مازالوا يحظون بها وخاصة في الأحياء الشعبية ذات الكثافة السكانية العالية وفي الأوساط الفقيرة والطبقة المتوسطة، إلا أنهم فشلوا في الوفاء لشعار التظاهرة التي حملت عنوان "الوحدة الوطنية"، مشددين على أن مليونية النهضة اليوم ستدخل البلاد في حلقة مفرغة من الأذرع والمشاهد الاستعراضية في الساحات والميادين بين معسكري الحكومة والمعارضة التي مايزال أنصارها معتكفين بساحة باردو أمام المجلس الوطني التاسيسي, مطالبين بإسقاط حكم الإسلاميين ومن تحالف معهم, وتكوين حكومة إنقاذ وطني، وهو ما من شأنه تعميق حالة الاستقطاب السياسي الذي يهدد بانهيار الاقتصاد ومزيد من تدهور الوضع الأمني المتردي بفعل تصاعد وتيرة الاغتيالات السياسية والهجمات الإرهابية.
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر