لندن ـ سليم كرم
لندن ـ سليم كرم
بعثت قيادات فرع تنظيم "القاعدة في المغرب الإسلامي" بخطاب إلى الجهادي الجزائري مختار بلمختار تعرب له فيه عن استيائها من تمرده، وعدم الرد على المكالمات الهاتفية، وعدم تسليم تقارير النفقات، وتجاهله الاجتماعات، ورفضه تنفيذ الأوامر.
وعثرت وكالة "الأسوشيتيدبرس" على الخطاب داخل إحدى البنايات
التي كان يقيم فيها المقاتلون المتطرفون الإسلاميون في مالي.
واتهمت قيادة التنظيم بلمختار بالفشل في تنفيذ أي عملية مثيرة ومذهلة، على الرغم من الموارد والإمكانات التي كانت تحت تصرفه.
وكان رد مختار بلمختار على ذلك عمليًا، فقد قرر الانفصال عن التنظيم، وتكوين جماعة منافسة خاصة به، وفي غضون أشهر عدة استطاع بلمختار بجماعته الجديدة أن ينفذ عمليتين مدمرتين أسفرت عن مقتل 101 فرد، وشهدت إحدى هاتين العمليتين أكبر علمية احتجاز رهائن في التاريخ، وهي العملية التي جرت في كانون الثاني/ يناير الماضي في منشأة الغاز الجزائرية التي تديرها شركة "بي بي" البريطانية، كما قام خلال الأسبوع الماضي وفي آنٍ واحد بتفجيرات في قاعدة عسكرية ومنجم يورانيوم فرنسي في النيجر.
وتقول صحيفة "ديلي ميل" البريطانية إن الخطاب يلقي الضوء على نشأة وصعود زعيم إرهابي له طموحاته المتطرفة إلى أبعد الحدود، وانفصاله من القيادة الإقليمية للتنظيم لأنه كان يرغب في التواصل مباشرة مع قيادة تنظيم "القاعدة" المركزية.
ويلقي الخطاب نظرة خاطفة على نظام العمل الداخلي لمنظمة إرهابية ذات هيكل ضخم، حيث يطلب التنظيم من قياداته تقديم تقارير بنفقاتهم الشهرية، كما يلقي الضوء كذلك على الخلافات الداخلية، والتي أسفرت عن ظهور بلمختار.
ويكشف الخطاب أيضًا عما يدور على الساحة الإرهابية، حيث تلعب الكاريزما الشخصية لمن يطلق عليهم اسم "الجهاديين" دورها في تنفيذ هجمات مباشرة باسم تنظيم "القاعدة"، بصرف النظر عما إذا كانوا يعملون تحت قيادة التنظيم أم لا.
ويقول رئيس جهاز مكافحة الإرهاب في أفريقيا التابع للبنتاغون رودولف عطا الله، وأحد ثلاثة خبراء قاموا بالتثبت من أصالة الخطاب المكون من عشر صفحات، والمؤرخ في 3 تشرين الأول/ أكتوبر، إن الخطاب يساعد في تفسير ما حدث في الجزائر والنيجر، وهي الهجمات التي تنسب في المنتديات "الجهادية" لمختار بلمختار.
وأكد رودولف عطا الله أن بلمختار من خلال تلك الهجمات يبعث برسالة صريحة إلى قياداته السابقة في الجزائر يقول فيها "أنا جهادي، وأنا أستحق أن أنفصل عنكم"، كما أنه يبعث برسالة إلى تنظيم "القاعدة" تقول "انظروا، إن هؤلاء الحمقى المتواجدين في الشمال الأفريقي عاجزون وغير مؤهلين. إنكم تستطيعون التحدث مباشرة معي". وهو بهذه الهجمات يلفت الكثير من الانتباه إلى شخصه وشخصيته.
ووفقًا لسيرته الذاتية المنشورة على شبكة الإنترنت فإن بلمختار الذي ولد في شمال الجزائر، والبالغ من العمر 40 عامًا تقريبًا، كان قد سافر إلى أفغانستان عندما كان عمره 19 عامًا، ويزعم أنه فقد إحدى عينيه في إحدى المعارك، وأنه تدرب في معسكرات "القاعدة"، كما استطاع أن يكون علاقات استطاع من خلالها أن ينفصل بعد عشرين عامًا، ليبدأ بنفسه فصلاً إقليميًا جديدًا.
وكانت هناك تقارير تشير على مدى سنوات إلى أن فرع تنظيم "القاعدة" في المغرب الإسلامي قام بتهميش بلمختار، أو أنه قام بعزله.
ووُجد الخطاب ضمن آلاف الصفحات من الوثائق الداخلية المكتوبة باللغة العربية، والتي عثرت عليها "الأسوشيتيدبرس" في مطلع هذا العام، والتي تكشف أن بملختار ظل على ولائه لتنظيم "القاعدة" في المغرب الإسلامي حتى العام الماضي، كما أنها تلقي الضوء على تاريخ علاقاته المتوترة في هذا الشأن.
ووصف الخطاب الذي قام بالتوقيع عليه مجلس الشورى في الجماعة المكون من 14 عضوًا علاقة المجلس مع بلمختار بأنها كانت بمثابة "جرح دامٍ"، كما أنه يتنقد اقتراحه بالاستقالة، والشروع في تكوين جماعة خاصة به.
ويقول الخطاب أيضًا: إن هذا الجرح استمر في النزيف وأن هذا النزيف زاد بوصول خطابه الأخير الذي قضى على أي أمل في علاج هذا الجرح أو وقف نزيفه.
ويؤكد الخطاب أن خطة بلمختار تهدد بحدوث انشقاق وتفتيت كيان التنظيم وتمزيقه إلى أشلاء، كما يقول إن خالد أبو عباس وهو اسمه المستعار لا يريد أن يتبع أحدًا، وإنما فقط يرغب في أن يكون له أتباعه ومطيعوه.
ويُعد أهم ما جاء في الخطاب الجدل الدائر بشأن الفدية التي تم الحصول عليها العام 2008 بعد اختطاف الدبلوماسي الكندي روبرت فوللر، الذي كان يشغل أعلى منصب رسمي في الأمم المتحدة في النيجر، وزميله، وكان رجال بلمختار قد قاموا باحتجازهما لمدة أربعة أشهر.
ويقول الخطاب إن الخطة كانت تعتزم إحالة أمرهما إلى القيادة المركزية لتنظيم القاعدة، كي يحصل بها على امتيازات في الحرب التي تقودها أميركا في أفغانستان، ولكن بلمختار قرر من تلقاء نفسه الإفراج عن الرهينتين مقابل 900 ألف دولار، وهو مبلغ يقل عن المبلغ الذي اعتادت الحكومات الأوروبية أن تدفعه مقابل الإفراج عن الرهينة الواحدة، وهو ما أثار سخط واستياء فرع التنظيم في المغرب الإسلامي.
وتُقرر صحيفة "ديلي ميل" أن مضمون الخطاب يكشف عن كيفية بروز تنظيم "القاعدة" في المغرب الإسلامي عن طريق موارد مالية لعملياتها تقدر بمبلغ 89 مليون دولار عن طريق خطف الأجانب والسائحين والإفراج عنهم مقابل فدية.
ويؤكد الخطاب وللمرة الأولى أن المبالغ التي تم الحصول عليها من الحكومات الأوروبية كان يتم إنفاقها في شراء أسلحة لتنفيذ عمليات ضد أهداف غربية، وهو ما كان يتكهن به الخبراء منذ عهد بعيد.
وقام التنظيم في الخطاب بتوبيخ بلمختار لأنه لم يتبع تعليمات التنظيم في استخدام الأموال في شراء أسلحة، كما يشكو الخطاب من أنه لا يرد على المكالمات الهاتفية، ويرفض إرسال تقارير مالية وإدارية، كما أنه تجاهل حضور اجتماع في تيمبوكتو واصفًا إياه بأنه "عديم الفائدة"، كما أنه كان يأمر أتباعه برفض مقابلة مبعوثي تنظيم "القاعدة"، وكان ينشر على الملأ "الغسيل القذر" للتنظيم وخلافاته وفضائحه عبر منتديات الإنترنت، وذلك على الرغم من أنه كان يرفض التواصل عبر الإنترنت مع التنظيم بحجة أنه وسيلة غير آمنة.
ويتهمه مجلس الشوري بعدم التفاهم مع نظرائه، بالإضافة إلى قيامه بزيارة ليبيا من دون إذن من التنظيم، الذي أحال ملف ليبيا إلى قائد منافس له وهو أبو زيد.
ويُظهر الخطاب أن الانشقاق ليس فقط بين بلمختار ورؤسائه وإنما أيضا بين فرع التنظيم المحلي وبين القيادة المركزية لتنظيم "القاعدة"، حيث يشكو الفرع من ندرة رسائل التنظيم المركزي لهم.
وتشير الصحيفة إلى أن طموحات بلمختار تتضح أكثر من خلال كلماته، التي يقول فيها إنه وعلى الرغم من الموارد المالية الضخمة إلا أن نشاطنا ينحصر في عمليات اختطاف روتينية، وهي عمليات يشعر المجاهدون منها بالضجر، كما أنه يصف بن لادن والظواهري بأنهما "زعماء الأمة الإسلامية"، وليس زعماء التنظيم ويقول إنه يحبهم وعلى قناعة ببرنامجهم.
ويرد فرع التنظيم عليه بالتساؤل عن ما إذا كان يعتبر نفسه مخلصًا لهما وهو يتمرد على أمرائهم ويهدد بتمزيق التنظيم.
وتشير الصحيفة إلى أن شخصيته المتمردة ترجع إلى أيام كان قائدًا في الجماعة السلفية في الجزائر.
وتلفت الصحيفة إلى إقامته في مالي في المناطق التي لا تخضع لحكومة بالقرب من مالي، وتزوج هناك من امرأة من مالي، وهناك استطاع أن يستغل طرق ومسالك التهريب ويكدس الأسلحة ويكوّن من المقاتلين الموالين له ولاء شديدًا، وقد تورط هؤلاء في قتل جنود حامية عسكرية في موريتانيا العام 2005، ثم أربعة سائحين فرنسيين العام 2007. وكثيرا ما تردد إشاعات بموته كان آخرها في آذار/ مارس الماضي، ولكنهًسرعان ما كان يظهر من جديد.
ويتهمه الخطاب على الرغم من تاريخه الإرهابي بأنه لم يقم بهجوم مثير يستحق الذكر في إقليم الصحراء، على الرغم من توفر المقاتلين والأموال والأسلحة، وتوفر العديد من الأهداف الإستراتيجية التي كانت في متناول يديه.
وأعلن بلمختار في كانون الأول/ ديسمبر الماضي أي بعد أسابيع قليلة من استلامه الخطاب في رسالة مسجلة عن انفصاله عن تنظيم "القاعدة"، وتكوينه جماعة خاصة به، والتي أطلق عليها اسم "الموقّعون بالدم".
وبدأت فرنسا في كانون الثاني/ يناير الماضي في قصف المناطق الشمالية في مالي بما في ذلك جماعة بلمختار، ولم يمر خمسة أيام على ذلك حتى قام بشن هجمات انتحارية، وقام باحتجاز ما يزيد على 600 رهينة في منشأة للغاز في الجزائر، وقام بقتل 37 فردًا من جنسيات أميركية وفرنسية وبريطانية.
واختار بلمختار هذا المنطقة عمدًا على الرغم من أنها تخضع لإشراف المنافس له أبو زيد.
ويُنسب إلى بلمختار الهجوم الذي وقع في 23 أيار/ مايو الجاري على منجم اليورانيوم الذي تملكه فرنسا في النيجر، وفي التوقيت نفسه قام مقاتلوه بقتل 24 جنديًا في معسكر للجيش يبعد عن ذلك الموقع بحوالي 100 ميل في جنوب البلاد، وذلك بمساعدة جماعة تطلق على نفسها حركة "التوحيد والجهاد" في غرب أفريقيا.
ويقول محللون: إن بلمختار يحاول بتلك العمليات الرد على من يتهمه بأنه لا يقوم بهجمات مثيرة، ويقول إنه قادر على ذلك، بدليل أن صحيفة "لوموند" الفرنسية الشهيرة وصفت الهجوم بأنه "عمل مذهل ومثير".
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر