يؤكّد الكاتب حسين سمور إن نفاذ الصبر الروسي تجاه تصرفات تركيا بدأ في سوريا وانتقل منها إلى العراق وليبيا مرورا بمنطقة القوقاز وتحديدا منطقة قاره باخ، حيث أعلنت تركيا عن نفسها كلاعب مؤثر ولها دور بارز في لعبة توازنات القوى على الصعيد الإقليمي والدولي.ملفات عديدة تحملها أنقرة اليوم والبعض منها بات عبئا عليها، حيث تنتظر حلا أو تسوية ما للحصول على مقابل.
وبين الكاتب أن النشاط السياسي التركي الذي تحول تدريجيا إلى نشاط عسكري تجلى علنا في سوريا عبر لتحقيق أهدافها التوسعية في تلك البلاد عبر تأمين حدودها وتطويق القوى الكردية المتواجدة في الشمال السوري وتحكمها بمناطق سورية عديدة عبر دعم وتوجيه الجماعات المسلحة فيها ومحاولتها بذلك التأثيرسياسيا، بالإضافة إلى سيطرتها على عامل الهجرة واستخدام اللاجئين السوريين كأدوات توظيفية لخدمة مصالحها الإقليمية عبرالتلويح بقضية المهاجرين وفتح الحدود أمام أوروبا.
أما في ليبيا ساهمت أنقرة بتدخلها السياسي والعسكري في البلد الممزق من تغيير ميزان القوى فيها عبر دعم جهات ليبية معينة على حساب أخرى، بالإضافة إلى إبرام مذكرة تفاهم بشأن ترسيم الحدود وعقد اتفاق أمني يمنح تركيا مصالح استراتيجية عسكرية عبر التواجد هناك واقتصادية من خلال عمليات التنقيب عن الغاز الطبيعي في شرق المتوسط والاصطدام بمصالح دول عربية وأوروبية أخرى.
وفي قرة باخ وضعت تركيا كل إمكاناتها لدعم حليفتها أذربيجان علنا وتجلى ذلك من خلال تقديم التقنيات والقدرات العسكرية والذخائر والطائرات المسيرة، بالإضافة إلى الأنظمة الصاروخية وصولا إلى إرسال مسلحين ومرتزقة إلى منطقة الصراع. هذا الأمر دفع موسكو إلى إرسال إشارات تحذير لكل الأطراف في البداية وتتطور الأمر إلى تنظيمها لقاء موسكو بين الأطراف المتصارعة التي اتفقت على وقف إطلاق النار لساعات معدودة.
وبحسب مصادر دبلوماسية روسية، ساهمت أنقرة بكل قوتها إفشال المبادرة الروسية بين أذربيجان وأرمينيا سعيا منها إلى توجيه رسالة مباشرة لموسكو أنها لا تملك الحل “الصافي” والنهائي لهذه الأزمة.
وأكمل الكاتب بالقول إن روسيا المتميزة بدبلوماسيتها الهادئة والحكيمة على مر العصور والحقبات وحتى في أشد المحن والصعوبات سارت على مبدأ الاتزان والموضوعية، واتخذت نهج الحوار والحياد بين الأطراف ومحاولة لعب دورالوسيط في الصراعات بأكبر قدر ممكن، وما يميز موسكو عن غيرها من الدول أنها تنتهج سياسة الوضوح في المواقف وتتحمل المسؤولية السياسية الكاملة لكل ما تتخذه من قرارات على الساحة الدولية.
صبرت موسكو كثيرا على سياسات أنقرة الإقليمية وتحديدا ما يحصل في سوريا وليبيا، لكن صراع قاره باغ الأخير وإفشال مفاوضات موسكو بين أذربيجان وأرمينيا جعل من الأخيرة تتخذ مسارا مختلفا ومواقف أكثر صرامة وتجلى ذلك من خلال تصريحات وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بشأن عدم رضى موسكو بوجود أطراف خارجية في الصراع وعدم موافقتها على أي حلول لا تكون روسيا من ضمنها.
وجهت روسيا رسائلها لتركيا مباشرة عبر الجبهات العسكرية التي تشارك فيها، الأولى في سوريا وكان من خلال استهداف معسكر تابع لتنظيم إرهابي في جبل الدويلة المحاذي للحدود التركية والتي تشرف عليه أنقرة بشكل كامل، تلقت أنقرة الإشارة بسرعة قياسية وتجلى ذلك من خلال تصريحات أردوغان باتهام موسكو بذلك.
مصادر دبلوماسية روسية أكدت أن الاستهداف لم يكن عشوائيا بل مقصودا بعد معلومات استخباراتية مؤكدة عن قيام تركيا بتدريب ونقل دفعات من المسلحين من المعسكر إلى منطقة قاره باغ تحديدا.
وتابعت المصادر الروسية أن الضربة الجوية أوجعت تركيا وجعلتها تستفيق من حلمها التوسعي في ما يخص قاره باغ وعمدت موسكو برسم الخطوط الحمر للسياسية التركية ومدى توسعها خصوصا في منطقة القوقاز.
أما الرسالة الروسية الأخرى لتركيا، فكانت من خلال تغير قواعد الاشتباك العسكري على جبهة قاره باغ، ولفتت مصادر عسكرية متابعة للوضع على الجبهة هناك أن أرمينيا استطاعت إسقاط المئات من الطائرات المسيرة التركية المعروفة “بيرقدار” وذلك بمساعدة روسية مباشرة.
وخلصت المصادر العسكرية، أن روسيا بهذه الخطوات أرادت إرسال إشارات مباشرة لتركيا أن موسكو تتحمل ولكن لكل شيء حدود والصبر بدأ ينفذ.
قـــد يهمــــــــك ايضـــــــًا:
بخسائر تاريخية لتركيا بعد فوز بايدن بالانتخابات الأميركية
رئيسة الخدمات العامة الأميركية ترفض التوقيع على خطابٍ يسمح لـ"بايدن" ببَدء عمله
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر