لوزان ـ المغرب اليوم
تحمل زيارة مدينة لوزان السويسرية، المطلة على بحيرة "ليمان" مدلولاً جميلاً، فهي تعني المتعة الروحية والاسترخاء ومصالحة النفس مع الطبيعة الصافية. ويعيش المقبل عليها تجربة أخرى مع جمال الطبيعة، حيث تعد لوزان مدينة وادعة هادئة، يعشقها الزائر قبل أن تطأها قدماه، فهي من الأفق القريب لوحة حالمة رومانسية، لا نهايات لجمالها.
وتمتاز المدينة، التي تستقبل السياح بترحاب حار، بمساحاتها الخضراء، وطبيعتها الساحرة، حيث موقع المدينة مطل على بحيرة ليمان الهادئة، ذات الأجواء الرومانسية الحالمة، وهي أكبر بحيرة في أوروبا الغربية.
ويمكن زيارة لوزان في جميع أوقات العام، وكل المواسم، ففي الصيف تبدو أشبه بكرنفال متجدد الأفراح، وباتت الآن المفضلة لقضاء لموسم العطلات لدى الخليجيين والعرب، فهي أشبه بصورة جميلة لمعالم المدينة التاريخية، وآثارها وكنائسها وقلاعها وحواريها القديمة، والمتحف الأولمبي الكائن في مقر "اللجنة الأولمبية الدولية"، المطل على البحيرة، وحدائق المدينة، التي كانت تعج بالزوار ليل نهار.
ولوزان مدينة مدهشة، تتكون من ثلاثة طوابق، وفي كل طابق من هذه الطوابق الجبلية، التي نحتها الإنسان لتكون منبسطات، توجد كل مستلزمات المدينة العصرية النموذجية.
والغريب في مدينة لوزان، التي هي عبارة عن ثلاث مدن في مدينة واحدة، أن الانتقال من الطابق الأسفل إلى الطابق الثاني أو الثالث بالنسبة للمارة الذين يستعملون أقدامهم، لا يتطلب سوى دقائق قليلة، ففي كل شارع رئيس تقريبًا يوجد مصعد كهربائي واسع، يستخدم لغرض الصعود أو النزول من وإلى هذه الطوابق.
وبالإمكان أيضًا أن تلقي بنظرك من الطابق الثاني أو الثالث على الطابق الأرضي، وهكذا، فالمساحات بين هذه الطوابق ليست مغلقة، وإنما هي مساحات مفتوحة وطبيعية، وتربطها طرق جبلية مخصصة لسير السيارات والعربات، وكذلك لسير الناس أيضًا.
وتدفع مشاق الصعود بالنسبة للكثيرين من هؤلاء الناس إلى اختصار الجهد والمسافة، عبر استخدام المصاعد الكهربائية الموزعة في مركز المدينة.
ومن سواحلها يستطيع الزائر أن يرى تلك الجبال، التي تفصل سويسرا عن فرنسا، وربما لا تبلغ مسافة الوصول إليها عبر البحيرة إلا بضعة كيلومترات فقط.
الجبال ما زالت تكتسي بطبقة من الثلج الأبيض، وإذا ما وقع عليها ضوء الشمس، فإنها تبعث بألوان جميلة مختلطة ببياض الثلج.
وتجري في لوزان أربعة أنهار، هي "فلون"، و"لوف"، و"فوشير"، و"ريوليت"، وهذه الأنهار لها سحر، ربما لا يوجد له مثيل في أوروبا، وفضلا عن كونها تخترق أجمل الأماكن الجبلية، وتصطف على جنباتها الغابات وأشجار الفواكه المختلفة، فإنها أيضًا موضع للنزهة والرياضة المائية والصيد.
أما مرافق المدينة الأثرية والسياحية فهي كثيرة، وجلها بني في القرون الوسطى، فمثلاً كاتدرائية "سانت ميد"، التي تعتبر تحفة تاريخية، من التحف الفريدة في أوروبا، بنيت عام 1405، وكذلك الحال بالنسبة لكنيسة "القديس لورانس"، وقصر "رومين"، الذي يدهش حتى أهل المدينة.
وتنتشر المطاعم والمحلات التجارية والأسواق المختلفة في ميدان المدينة "سان فرانسوا"، وكذلك في الساحات والشوارع الأخرى، فعلى مقربة من جامعة لوزان تتوزع شوارع قديمة وضيقة، جذابة للغاية، وفيها أسواق شعبية ممتعة.
وتتحول ساحة الجامعة الكبيرة، كل سبت، إلى أسواق في الهواء الطلق.
ويمكن أثناء الرحلة إلى لوزان، زيارة حقول كروم العنب في "لافو"، التي زرعها الإنسان منذ العصور الوسطى على ضفاف بحيرة ليمان، وقد جعلت على شكل مدرجات لتقاوم شدة انحدار الأرض في ذلك المكان، فأصبحت آية من آيات الجمال، ومشهدًا رائعًا، توسطت فيه البحيرة بين المدرجات على ضفة، وجبال الألب على الضفة المقابلة، ما أعطى المدرجات طابعها الفريد، وزادها فتنة إلى فتنتها، وجعلها تدرج بجدارة في عام 2007 ضمن قائمة منظمة الـ"يونيسكو" للتراث الإنساني العالمي.
وتعتبر مدرجات الكروم في "لافو" من أجمل مناظر الطبيعة التي صنعها الإنسان في أوروبا، وجد فيها الكثير من الفنانين ضالتهم، وكانت بالنسبة لهم مصدر إلهام واستجمام، فمن وليام تيرنر وأوسكار كوكوشكا إلى فردينان هودلر وشارلي شابلن، وهي اليوم أسطورة بدأتها الطبيعة منذ ملايين السنين، وتسلم زمامها كوكبة من أصحاب الذوق الرفيع في العصور الوسطى، ثم انتقلت إلى أجيال حافظت على أصالتها، وأحاطتها بالرعاية والاهتمام.
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر