كلميم - صباح الفيلالي
أُنشِئَت مدينة أسرير المغربية سنة 1959، حيث يوجد مقرها في مركز أسرير، وعلى أنقاض إحدى المدن التاريخية القديمة المشهورة خلال عهد الدولة المرابطية، والمعروفة تاريخيًا بمدينة نون لمطــة، ومن الصعب تحديد تاريخ بداية أو تأسيس مدينة نون لمطــة، إلا انه من المؤكد أن نهايتها
كانت على يد الدولة الموحدية، وذلك سنة 1137 م، حيث ورد اسم نون لمطــة في العديد من المؤلفات والكتب التاريخيــــة (مؤلفات مؤرخ الدولة الموحدية المعروف بالبيدق وكتب ابن خلدون و غيرهما). واشتُهرت مدينة نون لمطة بكونها مركزًا مهمًا للمبادلات التجارية بين الشمال والجنوب، وبتوفرها على أحد أهم معامل ضرب السكة المرابطية، كما أنها اشتهرت بالصناعات الحربية، حيث اعتبرت الدروع اللمطية من اشهر الدروع الحربية في العهد المرابطي، وإلى حدود سنة 1137 م، سنة تدمير هذه المدينة من طرف الموحدين، الشيء الذي يعني ان إشعاعها استمر لمدة ست سنوات بعد سقوط الدولة المرابطية. و تؤكد بعض الدراسات والأبحاث التاريخية أن اللمطيين واللمطيات الذين تم سبيهم هم الذين شكلوا الرصيد القوي للصناعات التقليدية التي اشتهرت بها مدينة مراكش. ونظرًا إلى الأهمية التي اكتسبتها مدينة نون لمطة على المستوى التاريخي باعتبارها كانت تشكل مركزًا حيويًا للمبادلات التجارية بين المغرب وبقية الأقطار الأفريقية جنوب الصحراء، فقد تم تناولها من جانبين: مدينة لمطة تُعتبر من المدن التاريخية القديمة التي تم الانبهار بها سواء من حيث المعمار او الطبيعة وذلك باعتبارها جنة الأرض نظرًا إلى ما عُرفت به من وفرة للماء ومساحات خضراء، واعتبرت بذلك بداية العمران ونهايته إلى حدود دولة السودان. وفي إطار الأبحاث الاركيولوجية في المدن القديمة ، تُجرَى في السنوات الأخيرة دراسات في منطقة نون لمطة (مركز اسرير حاليًا)، يقوم بها المعهد الوطني للبحث الاركيولوجي المغربي بتعاون مع باحثين من إسبانيا، ولا تزال هذه الدراسات جارية لم تكتمل بعدُ إلا انه من بين النتائج الأولية المتوصل بها هو تفنيد أسطورة زوال مدينة نون لمطة بسبب الطوفان. وتشكل قبيلة ازوافط القبيلة الأساسية التي سكنت هذه المنطقة، وتُعتبر جزءًا من لف ايت بلا، وهي القبيلة العظمى التي تنضوي تحتها عدد من القبائل، ويُعتبر ندا للف ايت الجمل، واللذان يشكلان ما يعرف تاريخيًا بـ "فدرالية تكنا". وتتميز الثقافة في منطقة اسرير بازدواجيتها (عربية/أمازيغية)، حيث تُعتبر امازيغية على المستوى السلالي والإرث الثقافي المشكل للعادات والأدوات خاصة منها المتعلقة بالتنظيم الزراعي كتنظيم دورات المياه مثلاً، في مقابل احتفاظ سكان المنطقة باللسان العربي بنسبة 99% خصوصًا بعد التأثير الذي أحدثه دخول قبيلتي بنو هلال وبنو سليم.وتقع في الجنوب الشرقي لإقليم كلميم باب الصحراء، وعلى بعد 9 كلومترات عن مقر ولاية جهة كلميم السمارة. فحسب الإحصاء العام للسكان والسكنى لسنة 2004، يبلغ سكان هذه الجماعة 3715 نسمة. ويُعتبر قطاع الزراعة النشاط الاقتصادي الأساسي في الجماعة، ومن أهم القطاعات التي يَعتمِد عليها سكان هذه الجماعة في حياتهم اليومية، نظرًا إلى توفر الجماعة على مؤهلات مهمة بخصوص هذا القطاع، كشساعة الأراضي الزراعية الخصبة والمتمثلة في الأحواض الزراعية المهمة على المستوى الإقليمي والمحلي، كحوض تغاط الذي يعرف بانتاجه الزراعي المهم، إضافة إلى توفرها على فرشاة مائية كافية (عيون كعين واركنون وعين تجنانت). ويُعَد قطاع تربية الماشية ثاني نشاط يعتمد عليه سكان جماعة أسرير في حياتهم اليومية بعد الفلاحة إلا أن هذا النشاط لا يزال يمارس بطرق تقليديةفإذا كان قطاع الزراعة من القطاعات الأساسية المعتمدة بالنسبة إلى سكان جماعة اسرير فان قطاع السياحة لا يقل عنه أهمية نظرا إلى المؤهلات السياحية المهمة التي تزخر بها المنطقة، حيث تمتاز الطبيعة الجغرافية للمنطقة بالتنوع ما بين الأحواض الزراعية الشاسعة والواحات والمرتفعات، وتُعتبر واحات النخيل التي تزخر بها الجماعة في كل من اسرير وتغمرت وتارمكيست وزريويلة من أهم المواقع السياحية في الإقليم، مما يجعلها مركزًا سياحيًا متميزًا على الصعيد الإقليمي والمحلي ومصدر جذب للسياح المغاربة والأجانب، الشيء الذي دعا أخيرًا إلى العمل على خلق سياحة تعتمد أساسا على الواحة، وذلك من اجل تثمين التنوع والغنى الطبيعي والثقافي والتاريخي للمنطقة، وتشجيع الانسجام ما بين الواحة والسكان خاصة منهم الشباب، وتقوية ارتباطهم بالواحة، وتوفير فرص للشغل على الصعيد المحلي لفائدة هؤلاء الشباب من جهة، والحد من ظاهرة الهجرة نحو المدينة التي تُعتبر من الأسباب الحقيقية والمباشرة في عدم تحقيق التنمية المطلوبة في المنطقة من جهة ثانية .وفي إطار دعم السياحة الواحاتية تم إنشاء مكتب للإرشاد والتوجيه السياحي الواحاتي في مركز أسرير بشراكة مع برنامج واحات الجنوب.
وتوجد في مركز أسرير أطلال المدينة التاريخية نون لمطة التي لعبت دورًا رائدًا وأساسيًا في عهد الدولة المرابطية.ونظرًا إلى أهمية هذه المواقع أُجرِيت في السنوات الأخيرة دراسات عدة وأبحاث اركيولوجية في المنطقة من طرف المعهد الوطني للبحث الاركيولوجي بتعاون مع باحثين من إسبانيا.وتزخر جماعة اسرير بواحات نخيل جد مهمة خاصة بكل من اسرير وتغمرت وزريويلة و اوزرولت و تارمكيست و تمتاز هذه الواحات بجماليتها الخاصة و المتميزة، وتعتبر إرثًا حقيقيًا يستحق الاهتمام التثمين باعتبارها من أهم الواحات السياحية على مستوى الإقليم والمنطقة بشكل عام. وتقع على بعد حوالي 4 كيلومترات عن مركز اسرير وتعتبر حامة معدنية تستعمل مياهها لعلاج بعض الأمراض الجلدية إلا أن زيارة هذه العين ما زالت تقتصر على السكان المحليين نظرًا إلى افتقارها إلى التجهيز والبنيات التحتية الأساسية الشيء الذي جعلها غير معروفة على الصعيد الخارجي. وتقع على بعد 10 كيلومترات عن مقر الجماعة وتُعتبر من المواقع السياحية المهمة التي ما زالت في حاجة إلى التهيئة.ويوجد في مركز بتغمرت، ويمتاز بغناه الثقافي، حيث يضم مختلف الأدوات التقليدية المعتمدة في الحياة اليومية لسكان المنطقة، مع العلم أن متحف تغمرت يُعتبر من المتاحف المعترف بها من طرف "الدليل السياحي العالمــي: Le guide Retard". وكان موسم سيدي محمد بن عمرو يُعتبر من المواسم المهمة جدًا على صعيد مجموع الصحراء، حيث يُعتبر ملتقى للتجار وللمبادلات التجارية بين المغرب وبقية الأقطار الأفريقية جنوب الصحراء، الا انه عرف في السنوات الأخيرة تراجعا كبيرا.وفي ما يخص البنية السياحية ففي هذه المدينة فنادق سياحية، دور للضيافة يسيرها أجانب ومواطنون محليون، ثم ضيعات، ومخيمات سياحية. وتبلغ الشبكة الطرقية في النفوذ المحلي لجماعة اسرير حوالي: 108 كلم منها 78 كلم معبَّدة، وعلى سيارات للنقل من الإقليم إلى الجماعة زيادة على حافلات للنقل.والصناعة التقليدية وبموازاة مع مشروع تأهيل واحتى اسرير وتغمرت التي يقوم به برنامج الأمم المتحدة الانمائي تم إعادة إحياء بعض الصناعات التقليدية التي كانت تُشتهَر بها المنطقة كصناعة الحصير (السمار) وصناعة بعض الأدوات المنزلية.هذه المؤهلات الضخمة التي تزخر بها هذه الجماعة، وما قابلها من مجهودات سواء من طرف القيميين على الجماعة، أو من خلال الزيارة الملكية لسنة 2007، التي أدت إلى تعزيز وتقوية هذه البنيات، وكانت فرصة لانطلاق برامج ومشاريع كبرى أرست للجماعة دعائم وأسسًا للنهضة الاقتصادية والاجتماعية.ويُعَد المخطط الجماعي لسنة 2009-2014 المقدر بـ 27 مليون دولار، وحسب رئيس المدينة امبارك النفاوي هو ثمرة عمل تشاركي لجميع سكان الجماعة بكل تلاوينها، والمجلس الجماعي والمجتمع المدني، هذا المخطط الذي بدأ الشروع فيه سنة 2009، وسينتهي سنة 2015، من خلال التصور الذي خرج به سكان المدينة إلا أن تطبيقه على أرض الواقع يبقى في حاجة ماسة إلى اعتمادات مالية تصل إلى 23 مليار سنتيم أو 230 مليون درهم، وفي إطار الشروع في تنفيذه تم الوصول إلى 50%، على اعتباره أنه يتطلب مجهودا كبيرا ولان المدينة لا تتوفر على الاعتمادات المالية، حيث إن إتمامه رهين بالمزيد من الشركاء، فالبعض منهم ملتزم والبعض منهم تتحكم فيه اكراهات عدة، ذلك أنه رغم كون مدينة أسرير هي السباقة إلا ان هناك 20 مدينة في إقليم كلميم تطالب هي الأخرى بالدعم، فـ50 % هي عبارة عن شركات مع منظمات دولية، وأبرمت معها المدينة اتفاقيات شراكة عدّة منها برنامج إنقاذ الواحات ما بين 2007 و2008، وتم توقيع اتفاقات بمليار و200 مليون سنتيم، ثم اتفاقات جديدة وُقِّعت بمبلغ مالي قدره 570 مليون سنتيم تخص الاقتصاد الاجتماعي لدعم الشراكات مع الجمعيات والتعاونيات، وأعطت هذه العملية نتائج جيدة عدة في الميدان، واتفاقات اخرى مع وكالة تنمية الاقاليم الجنوبية ومديرية الجماعات المحلية والشبيبة والرياضة وقطاعات أخرى، بـ 2 مليار و 500 مليون سنتيم خاصة ببناء مركبات سسيورياضية وثقافية، كما أن تزويد تغمرت بالماء الصالح للشرب وتوسيع الطريق الرابطة ما بين كلميم وتغمرت عبر أسرير ثم المنطقة الصناعية تم في شراكة مع وزارة الصناعة ووزارة الإسكان مليار و900 مليون سنتيم، في حين أن التحفيظ الجماعي 3 مليار سنتيم إضافة إلى تحفيظ جماعي سيكون قريبًا على مساحة تقدر بـ 93 ألف هكتار، إضافة إلى الاتفاقات التي تم توقيعها قبل يومين والمتعلقة بحماية تغمرت من الفيضانات وذلك بشراكة مع وزارة الطاقة والمعادن وقطاع الماء بمبلغ مالي قدره مليار و900 مليون سنتيم، وحماية أسرير من الفياضانات بـ 400 مليون درهم، وغيرها من المشاريع، إضافة إلى أن العديد من هذه الاتفاقات تعمل فيها الجهة المانحة على الصرف وليس المجلس الجماعي.
وأوضح رئيس المدينة أنه منذ تسلمه تسيير دواليب هذه قبل هذه الولاية وجدها خاوية الوفاض، وبالكاد تستطيع تدبير رواتب موظفيها، وبعد سنوات من الكد والجهود استطاع إحياء هذه الجماعة، ووضعها في مصافّ المدن المهمة في إقليم كلميم، وذلك من خلال الدخول في شراكات قوية وطنية ودولية بعدما تصادف ذلك مع انطلاق مجموعة من البرامج، إلى جانب مساعدات المجالس الإقليمية والمحلية وباقي أصدقائه في مراكز القرار.
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر