تبدو مدينة الدار البيضاء ظاهريًا على أنها مجرد قطب إصطناعي وتجاري ضخم وأنها مدينة مكتظة بالسكان ووجهة مفضلة للمستثمرين الأجانب و لكن الواقع أنها تبقى مدينة سياحية بامتياز وذات معالم تاريخية مميزة، كما أنها واحدة من أجمل المدن الساحلية في أفريقيا، بالنسبة إلى عشاق البحر.
يقرر أغلب السياح حزم حقائبهم والسفر إلى المغرب، فإن أول اسم يتبادر إلى الأذهان هو مدينة مراكش، التي تحولت إلى أول وجهة سياحية في المغرب خلال السنوات الأخيرة، وأصبح الطلب عليها مرتفعًا على طول السنة لكن السياحة في المغرب لا تقتصر على مراكش أو أغادير أو طنجة فالسفر إلى المغرب لن يكون مكتملًا من دون زيارة مدينة الدار البيضاء، القلب النابض لاقتصاد البلاد وثالث أكبر المدن الأفريقية من حيث التعداد السكاني.
ولكي تقضي يومًا ممتعًا في الدار البيضاء يجب أن توفّق بين زيارة المعالم التاريخية للمدينة، والأماكن الشعبية، إلى جانب المشاريع الحديثة التي شُيّدت خلال السنوات القليلة الماضية.
يجب الاستيقاظ مبكرًا والقيام بزيارة حصن "السقّالة"، الذي بني خلال القرن الثامن عشر، والمُطل على ميناء الصيد ,هناك سوف تطل عليك نسائم هواء محملة برائحة البحر المنبعثة من المحيط الأطلسي، وسوف تكتشف جمال وتاريخ "السقّالة"، التي كانت مركزًا للدفاع عن المحيط وعن مدينة الدار البيضاء من هجمات البرتغال بين عامي 1468 و1470، قبل أن يعاد بناء الحصن من جديد بعد الزلزال المدمر الذي ضرب المدينة.
تجد وسط المدينة وهو "غير بعيد عن شارع الموحدين ومحطة قطار الدار البيضاء - الميناء، ساحة الأمم المتحدة التي تم تجديدها بالكامل بعد إنشاء خط "الترامواي"، حيث أصبحت أكثر جمالية وجاذبية، وهناك توجد أقدم مقاهي وشوارع المدينة.
التجول في شارع محمد الخامس، سيجعلك تظن للحظة أنك في عاصمة لبلد أوروبي عريق، فهناك ستصادف مبان تعود إلى عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي، إبان فترة الاستعمار الفرنسي. بنايات بيضاء تجمع بين اللمسة الفنية الأصيلة والديكوارت العصرية، وشرفات ذات أناقة فرنسية، جعلت من شارع محمد الخامس مكانا يجمع بين الهندسة والفن.
و ستجد نفسك قبالة المدخل الرئيسي للسوق المركزي داخل السوق، تباع جميع أنواع التوابل المغربية وحتى المشرقية، والأزهار والورود، وأشكال وألوان من السمك الطازج و جرت العادة أن يشتري الزبون بعضًا من السمك، والتوجه إلى المطاعم الشعبية الموجودة داخل السوق المركزي، وهناك يتكلّفون بطبخه حسب رغبتك وذوقك.
و يوجد مكان آخر يستحق الزيارة ويعتبر من أهم المعالم التاريخية في المدينة.. إنها ساحة محمد الخامس التي جرى تجديدها، والتي توجد قبالة المحكمة الابتدائية يمكنك متابعة السير على الأقدام والاستمتاع بمشاهدة النافورة والحمام الذي يعطي سحرًا خاصًا للميدان، حيث جرت العادة أن يقوم الزائر بإطعام الحمام بعضًا من حبوب الذرة أو القمح والتقاط صور مع النافورة.
ويمكن لزائر الدار البيضاء أن يستعمل "الترامواي" كوسيلة للذهاب إلى "كورنيش" عين الذئاب، من أجل الاستمتاع بإطلالة ساحرة على الشاطئ والرمال الذهبية. فضاءات الاستجمام والترفيه على طول "الكورنيش" مخصصة أساسا لعشاق الصيف، فهناك تجدون سلسلة من المسابح والشواطئ الخاصة والعمومية، إلى جانب فنادق مطلة على المحيط ومطاعم تناسب كل الأذواق.
"كورنيش" عين الذئاب طويل ويمتد على كيلومترات.. فمن شاطئ سيدي عبد الرحمان حيث يوجد المركب التجاري الضخم "موروكو مول"، إلى غاية مسجد الثاني توجد مجموعة من الأماكن التي تستحق التوقف عندها، كالمركب السينمائي "ميغاراما" الذي يعتبر من الأكبر من نوعه في إفريقيا، حيث يحتوي على 14 قاعة للعرض بمواصفات عالية.
استغرق بناء مسجد الحسن الثاني حوالي ست سنوات (بين 1987 و1993)، ويقع فوق البحر، ويتسع لأزيد من 100 ألف مصلي بين قاعة الصلاة والباحة الخارجية، كما يضم مدرسة لتعليم القرآن ومكتبة دينية ومتحف. ويمزج المكان بين ما هو تقليدي وعصري، فإلى جانب تلبيسه بفسيفساء الخزف الملون على الجدران والأعمدة والحفر على خشب الأرز وأعمال الجبس المنقوش، يملك المسجد تقنيات حديثة، مثل السقف الذي يفتح ويغلق بشكل أوتوماتيكي وأشعة الليزر التي يصل مداها إلى حوالي 30 كيلومتر.
غير بعيد عن المسجد، توجد "منارة العنق" التي يعود تاريخها إلى سنة 1919، البالغ طولها 161 مترا، والتي تكون أكثر جاذبية في المساء، حيث تنبعث منها الإشارات الضوئية الموجهة إلى السفن والتي تُرى على بعد عشرات الكيلومترات.
عديدة هي الأماكن التي تستحق الزيارة في الدار البيضاء، مثل حي الأحباس الواقع بالقرب من القصر الملكي. إنه واحد من أهم المعالم التاريخية في "كازابلانكا" والمغرب ككل، لما يملك من دلالة رمزية.
ارتبط حي الأحباس بفترة مقاومة الاستعمار الفرنسي، ويعتبر صرحا حضاريا وثقافيا في مدينة اقتصادية بامتياز. يتميز حي الأحباس، الواقع بمنطقة درب السلطان، بأقواسه وأزقته الضيقة وشكله المعماري المستلهم من روح الهندسة العربية الإسلامية، وهناك يوجد عدد كبير من المساجد وعشرات المكتبات التي توفر لزوارها مجلدات وكتب قيّمة عن الإسلام والحضارة العربية والأدب والفكر الإسلامي والفلسفة، إلى جانب كتب بلغات أجنبية.
أماكن أخرى يجب التوقف عندها كحديقة جامعة الدول العربية بشارع مولاي يوسف، والمركب الرياضي محمد الخامس بحي المعاريف، والذي يعتبر من أشهر ملاعب كرة القدم في إفريقيا والدول العربية، حيث احتضن مجموعة من المباريات التاريخية، وبرجي "توين سانتر" وسط حي المعاريف الراقي.
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر