العيون - هشام المدراوي
وجد العديد من المواطنين أنفسهم عاجزين تمامًا عن الحصول على وسيلة نقل تمكنهم عن المغادرة في اتجاه عدد من المدن المتواجدة من الجنوب من محافظة العيون، كبرى حواضر الصحراء، في اتجاه مدن من قبيل "أغادير" و"مراكش" و"الدار البيضاء" و"فاس"، وذلك من أجل مشاركة الأهل والأحباب أجواء عيد الفطر.
وتسبّب الضغط غير المسبوق الذي تشهده وسائل النقل المتوفرة في المدينة في وقوعهم في شراك المضاربين، الذين لم يترددوا في استغلال الحاجة الماسة لهؤلاء المواطنين لمغادرة المدينة على وجه السرعة بعد حصولهم على عطلة العيد لتنطلق على إثر ذلك سلسلة من المساومات التي لا تنتهي، مرتكزها الأساسي الطمع والجشع، إضافة إلى مجموعة من العوامل الأخرى ذات طبيعة تنظيمية، وأخرى بنيوية، الشيء الذي سوف يحول رحلة البحث عن التذكرة إلى لحظات من الجحيم لا يعرف معناها إلا من ذاق مرارتها.
ولم تتمكن وكالات شركات النقل الخاصة المتواجدة في المدينة، من استيعاب الطلبات المتلاحقة على خدمات تلك الشركات من سكان المدينة، الذين يطمحون في الحصول على تذكرة تخول لهم ضمان مقعدهم داخل الحافلات التابعة للشركات الأربعة المخول لها الإشراف على عملية نقل المسافرين من محافظة العيون في اتجاه الأقاليم الأخرى، سواء في اتجاه شمال المدينة أو جنوبها، وهو ما أسفر عن استياء عميق من لدى مختلف المواطنين الذين توافدوا تباعًا على تلك الوكالات منذ أسبوعين تقريبًا وكان الجواب الذي يتلقاه الغالبية منهم هو أنه ليس هناك مكان شاغر في تلك الحافلات، ومن أراد أن يحصل على تذكرة فسيتم إدراج اسمه ضمن الرحلة التي سوف تنطلق من المدينة بعد يومين من يوم العيد على الأقل، الشيء الذي يعتبر بالنسبة لهؤلاء المسافرين بمثابة كارثة حقيقية إذ لا يعقل في جميع الأحوال بأن يقبل واحد منهم بالتضحية بيوم العيد، وهو ما دفع بكثير منهم إلى اللجوء لمجموعة من البدائل الأخرى التي يمكن أن تمكنهم من الوصول إلى غايتهم المرجوة في الموعد المحدد رغم أن ذلك يكلفهم في أحيان كثيرة أداء ضعف الثمن الأصلي المتعارف عليه، وفق نظام التسعيرة المعلن عنه من طرف القيمين على القطاع بهذا الخصوص والمفروض أن يمكنهم من التنقل إلى الوجهة التي يرغبون في الوصول إليها.
وبالرغم من المجهودات الاستثنائية التي تقوم بها شركات النقل في محافظة العيون، إلا أن ذلك لم يكن ليحل مشكل الاختلال في التوازن بين الطلب والعرض، خصوصًا أن عدد الرحالات المبرمجة في هذا الإطار في اليوم الواحد لا تتوافق وحجم الطلب على الرحلات خلال الأسبوع الذي يسبق حلول موعد عيد الفطر، فحسب التصريحات التي أدلى بها عدد من المسؤولين داخل وكالات النقل، فإن معدل الطلبات فاق الضعف بالمقارنة مع الأيام العادية، إلا أن المشكل حسب قولهم دائمًا أكبر بكثير من تخصيص بعض الرحلات الإضافية.
وباتت المدينة، رغم المحاسن الكثيرة التي تتمتع بها على اعتبار أنها تشكل قطبًا اقتصاديًّا مهمًّا على مستوى الأقاليم الجنوبية، تعاني مشاكل عديدة على مستوى النقل الطرقي، وما زد الطين بلة أن مدينة بحجم محافظة العيون لا تتوفر على أية محطة طرقية تتناسب والقيمة العمرانية والتاريخية لهذه المدينة، في حين أن مدنًا صغيرة كثيرة في جنوب المغرب تتوفر على عدد من المحطات الطرقية التي تم تشيدها على أعلى المستويات.
ويضيف المسؤولون عن وكالات النقل في مدينة العيون أن الشركات التي تعمل في الميدان لا يتجاوز عددها الأربعة، إضافة إلى أن شركة تتوفر على رخصة استثنائية إلى "طرفاية" تقوم بنقل المسافرين عن طريق المبادلة لتتسلمهم حافلة أخرى قادمة من "طانطان" تنقلهم إلى هذه الأخيرة، وهو رقم هزيل جدًّا يقتضي الرفع من قيمة التراخيص المسلمة في هذا الإطار لشركات النقل الخاصة التي تستجيب للمواصفات المعمول بها.
وبعد فشل المساعي التي يقودها مواطنون مغلبون على أمرهم للحصول على تذكرة سفر على من حافلات النقل الخصوصي، يلجأ كثير منهم إلى محطة سيارة الأجرة من الصنف الكبير على أمل تدرك الموقف، لكنهم سرعان ما يصدمون بعدد من الممارسات غير المهنية الصادرة عن بعض أرباب سيارات الأجرة الذين وجدوا في هذه الظرفية فرصة سانحة لابتزاز المواطنين الذين يتوقون لمغادرة المدينة بأي شكل كان والالتحاق بوجهتهم على وجه السرعة، حيث فرض على كل مواطن أراد أن يضمن مقعده بداخل سيارات الأجرة التي تتناسب وجهتها مع مقصده أو على الأقل سوف تقربه منها، أن يؤدي زيادة قد يصل إلى نسبة 60 في المائة من الثمن الأصلي، إضافة إلى تأدية مبلغ 20 درهمًا بالنسبة لأمتعته، وهو الأمر الذي كان محور عدد من المناوشات التي وقعت بين بعض المسافرين سواء في محيط المحطة أو أثناء إقلاع تلك السيارات من المحطة وتساءل المتضررون عن دور السلطات في التستر على تلك الزيادات الصاروخية التي تكشف بجلاء تورط عدد من الموكل إليهم تتبع هذه العملية، المفروض فيهم حسب رأي العديد من المتضررين التجند بكل الإمكانيات المتاحة إليهم من أجل محاربة هذه الظاهرة وليس الإسهام في تفشيها بعد الصمت المطبق حيال كل تلك الممارسات غير السوية التي استهدفت بالأساس المواطنين الراغبين في مغادرة المدينة.
ويذكر أحد المتضررين أنه كان يحاول التوجه إلى مدينة أغادير وعندما تعذر عليه ذلك توجه صوب محطة سيارات الأجرة ليصطدم بأن سيارات الأجرة قد فرضت على المسافرين تسعيرة خيالية بعيدة تمامًا عن التسعيرة الرسمية، حيث طالبوه بدفع مبلغ 300 درهم للمقعد الواحد بالإضافة إلى 20 درهمًا خاصًّا بنقل الأمتعة، ويؤكِّد أنه في حالة ما إذا رفض الإذعان لرغباتهم فإن مصيره سوف يكون لا محالة البقاء داخل المحطة دون التمكن من الوصول إلى الوجهة التي يقصدها قبل حلول موعد العيد.
وإذا كان بعض المواطنين قد رفضوا الاستجابة لتلك الابتزازات فإن عددًا كبيرًا منهم لم يجدوا من بديل سوى الاستجابة لكل تلك الشروط القهرية التي فرضها عليهم أرباب سيارات الأجرة الذين أحسنوا استغلال الظرفية أحسن استغلال وشهدوا كيف يُمسكون المواطنين من يدهم التي تؤلمهم أمام أنظار السلطات التي وقف أعوانها موقف المتفرج العاجز عن القيام بأي شيء حيال كل تلك الزيادات غير القانونية التي تبقى السمة البارزة خلال هذه الفترة من السنة في مشهدًا متكررًا شجع المضربين على سَنّ مزيد من الزيادات غير القانونية التي يرى أرباب سيارات الأجرة بأن هناك ما يبررها حسب قولهم بعد موسم كامل من الركود، حيث يشير سائق سيارة أجرة يشتغل في الخط الرابط بين العيون وأغادير، إلى إن أغلب أصحاب سيارات الأجرة من الصنف الأول يعانون من مشاكل لا حصر لها، وبالتالي فإن هذه الفترة من السنة تبقى المتنفس الوحيد بالنسبة لهم لوضع حد للركود الذي عانوا منه طوال موسم كامل وما لا يعرفه هؤلاء المسافرين الذين يحتجون الآن على تلك الزيادات بأن غالبية أصحاب سيارات الأجرة يضطرون إلى العودة من "أغادير" في اتجاه "العيون" من دون التمكن من الحصول على زبناء نظرًا لقلة الطلب هناك على هذا الخط خلال هذه الفترة من السنة التي تتميز بحرارة مفرطة على مستوى الأقاليم الجنوبية، وبالتالي فإن الزيادات لا تمثل سوى قيمة الكازوال التي سوف يتم استهلاكه خلال رحلة العودة إلى نقطة الانطلاقة.
وفي ظل عدم التمكن من الحصول على مقاعد في مختلف الرحلات التي تبرمجها شركات النقل، وتحت ضغط شجع أصحاب أرباب سيارات الأجرة اضطر عدد من المواطنين المغلوبين على أمرهم والذين عجزوا عن مسايرة الزيادات الصاروخية التي تم فرضها من لدن بعض مهنيي النقل إلى الارتماء في أحضان عوامل أخرى بديلة من قبيل الاستعانة بخدمات شاحنات النقل سواء تلك الخاصة بنقل البضائع أو الأسماك التي تنطلق من مدينة العيون أو العابرة منها خصوصًا تلك القادمة من مدينة الداخلة والمتوجهة إلى مناطق أخرى مختلفة تكون غالبًا الوجهة التي يطمح عدد من المسافرين إلى بلوغها، وبالتالي فلا تستغرب إن وجدت أن عددًا من محطات نقل البنزين والباحات التي توجد قرب مداخل ومخارج المدينة قد أصبحت مقصدًا لعدد من المواطنين الذين يتربصون بتلك الشاحنات من أجل نقلهم في طريقها إلى الوجهة التي يقصدون بلوغها ، وهو الأمر الذي يتحقق لغالبيتهم.
غير أنه وبالرغم من سهولة الحصول على مكان بداخل تلك الشاحنات إلا أن هذه التجربة تبقى عرضة للعديد من المخاطر لاسيما في الطريق نظرًا لطبيعة الحمولة التي تحملها تلك الشاحنات والتي غالبًا ما تتجاوز الإطار المسموح به قانونًا، مما يجعل السائق غير قادر على التحكم في الشاحنة بشكل جيد، إضافة إلى الحالة الميكانيكية المهترئة لأغلب الشاحنات التي تقطع هذا المسار بشكل شبه يومي، مما يجعلها الأكثر عرضة للحوادث من غيرها.
ولا يقتصر الارتماء في أحضان وسائل النقل البديلة فقط على الاستعانة بخدمات الشاحنات سواء المنطلقة من مدينة العيون أو العابرة منها انطلاقًا من الداخلة، فقد أصبح عدد من القاصدين لمدن أخرى من أصحاب السيارات لا يترددون في عرض خدماتهم على المواطنين الذين يكونون في حيرة من أمرهم على أبواب وكالات النقل ومحطة سيارات الأجرة حيث يكفي أن يؤدي هؤلاء ثمن تذكرة عادية ليجدوا أنفسهم بداخل سيارات مكيفة تنطلق بهم إلى وجهتهم المعلومة في ظرف زمني قياسي دون الخضوع لرحمة المبتزين والمضربين الذين لا يتوانون في القيام بالعديد من الممارسات غير السوية في حقهم وهو ما جعل ظاهرة تقاسم مصاريف السفر مع بعض أصحاب السيارات أمرًا مطلوبًا إلى حد كبير في ظل كل المعطيات السالفة الذكر، غير أنها حالات تبقى محدودة جدا ولا تؤدي في جميع الأحوال إلى امتصاص الطلب المتزايد على وسائل النقل خلال فترات الضغط هذه لاسيما أن عدد المسافرين في تزايد مستمر وهو ما يتطلب حسب كثير من المهنيين التفكير الجدي تشغيل خطوط جديدة.
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر