العيون ـ هشام المدراوي
شهر رمضان لدى الأسر في مدينة العيون يكتسي طابعاً خاصاً من حيث العادات والتقاليد المحيطة به، والتي لا تختلف في جوهرها على وقع ما تعيشه الأسر المغربية في المناطق الشمالية من أجواء روحانية وتعبدية أصيلة مرتبطة بهذه المناسبة الدينية التي تنتظرها الأسر المحلية سنويًا بشغف كبير.
مع حلول شهر رمضان، تعكف الأسر في مدينة العيون، على شراء ما تحتاج إليه من سلع ومواد غذائية أساسية، حيث تشهد الأسواق المحلية حركة غير عادية، مع تزايد الطلب على السلع التي تستهلكها الأسر، حيث تظهر العديد من المحلات الموسمية على طول شوارع وأزقة العيون خصوصًا في شوارع "بوكراع"، و"طانطان"، وساحة "الدشيرة"، والأحياء الشعبية الأخرى، التي تعرف كثافة سكانية مرتفعة، حيث يعرض أصحاب تلك المحلات تشكيلة من الحلويات والتمور، والعصائر، والتي تبقى أسعارها في المتناول إلى حد كبير، وإن كان هناك تباين بين المحلات الموسمية والدائمة، إذ يفضل المتسوقون الذين يقبلون على شراء تلك المعروضات الاستعانة بخدمات المحلات والعربات الموسمية التي تكون أسعارها منخفضة بالمقارنة مع المحلات الدائمة الملزمة بدافع رسوم وضرائب سنوية على أنشطتها.
وقال أحد رواد السوق "السالك" إن هناك تنوع من حيث المعروضات، وتبيان في الأسعار، وهو شخصيا يفضل اقتناء حاجيتها من المحلات التي تظهر مع حلول رمضان على أن يستعين بخدمات المتاجر والمحلات القائمة، لأن ذلك في نظره سوف يجنبه دفع قيمة أكبر بكثير، ويوفر عليه مبالغ مهمة، على اعتبار أن عملية الشراء تستمر على مدار الشهر الفضيل.
ورفضت "الغالية" أن تقتني تلك الحلويات والمأكولات الجاهزة، مفضلة بدل ذلك، الاعتماد على نفسها في تحضير الحلويات والمأكولات التي تستهلكها أسرتها طيلة الشهر الفضيل، تماشيًا مع واحدة من خصوصيات المجتمع المحلي، المتمثل في اضطلاع المرأة الصحراوية بمهامها الأسرية في رمضان، حيث تقوم "الغالية" بتحضير تشكيلة من الحلويات والوصفات بشكل مسترسل بمساعدة ابنتها البكر "حجبوها"، المسايرة لنفس طرح والدتها فهي لا تتفق على استهلاك المواد الجاهزة من الشارع، بالنظر إلى المشاكل الصحية الناجمة عن استهلاك تلك المواد التي تجهل ظروف وطريقة تحضيرها والمواد المستعلمة فيها إن كانت صالحة أم لا.
وأضافت "رشيدة" أنه من المستحيل تدبير حاجيات أسرتها بالاعتماد على نفسها، مشيرة إلى أن وظيفتها وما يرتبط بها من مهام دائمة ومعقدة يحول دون القيام بذلك. وبالتالي، فإن عملية شراء المأكولات والحلويات الجاهزة، أمر لا مفر منه في ظل الظروف السالفة الذكر. بالرغم من إدراكها التام لما قد ينتج من تداعيات صحية إن لا قدر الله لم تستجيب تلك المعروضات لمعايير السلامة الصحية المتعارف عليها.
ومع اقتراب موعد الإفطار، يفضل الكثيرون ممارسة عدد من الأنواع الرياضية كالمشي والجري، ولعب كرة القدم، حيث يجد شباب المدينة ضالتهم في ملاعب الأحياء حيث يتم تنظيم مجموعة من المسابقات الرياضية طيلة شهر رمضان.
وتتنافس فرق الأحياء فيما بينها للظفر بالألقاب التي إطلاقها في إطار تلك المسابقات حيث تحتدم المنافسة بين تلك الفرق التي تحاول قدر المستطاع استعراض إمكانيتها الفردية والجماعية، فمثل هذه المنافسات تساعد على اكتشاف العديد من المواهب الرياضية التي يتم ضمها للفرق الرسمية بالمدينة. وهو الأمر الذي حدث في أكثر من مناسبة مع عدة أسماء صارت اليوم تلعب في فرق وطنية معروفة وصنعت لنفسها مسار رياضيا مشرفاً.
في حين تفضل العديد من الأسر التوجه إلى ضفاف وادي الساقية الحمراء، إذ تعكف الأسر على تنظيم حلقات مصغرة فيما بينها للقيام ببعض الألعاب والاستمتاع ببعض الألوان الغنائية المحلية، فيما يتخذها البعض مناسبة لأخذ قسط من الراحة والنوم قبل حلول موعد الإفطار، بينما تبادر الأسر المتوسطة والميسورة الحال للتنقل إلى شاطئ "فم الواد" الذي يبعد عن مدينة العيون بحوالي كيلومترًا.
ومع حلول موعد الإفطار، يلتف أفراد العائلة من كبيرها إلى صغيرها على مائدة الإفطار، حيث جرت العادة أن تنظم الأسر فيما بينها فطورا جماعيا بالتناوب، أو تجتمع لدى كبير الأسرة، حيث تتشكل مائدة الإفطار من أطباق محلية متنوعة وأخرى مستمدة من مناطق أخرى.
ولا يغيب عن مادة الإفطار في العيون شراب الحساء الأبيض المكون من الشعير، والتمر والحليب، وأيضًا ما يعرف محليًا ب"الزريك" وهو مكون من اللبن الطازج الأكثر استهلاك في الموائد الرمضانية في العيون خصوصًا والصحراء عمومًا، بالإضافة إلى الشاي الصحراوي الأصيل الذي يتم تخصيص جلسة خاصة له، فإعداده يستغرق وقتا ليس باليسير، ويتم شربه عادة مع كبد الإبل أحد أشهر ما تستهلكه الأسر المحلية، بالإضافة إلى الجبن والعسل.
وبعد أداء الشعائر الدينية وإتمام صلاة التراويح، تعرف شوارع مدينة العيون حركة كبيرة حيث يخرج الناس من مختلف الفئات العمرية، ، يتجولون في الشوارع، وبين الأزقة والدروب للترويح عن النفس، حيث تزدهر المعاملات التجارية داخل المحلات، وأيضا على مستوى المقاهي المطلة على الشوارع الرئيسية كـ"مكة" و"القيروان"، و"ساحة الدشيرة"، و"السمارة"، وتقبل العائلات على الساحة، وسيما "ساحة المشور" التي تبقى متنفسًا هامًا بالنسبة للأطفال الذين يجدون ضالتهم بها نظراً لاتساعها وتوفرها على كل مقومات الأمن والسلامة.
وعند حلول موعد السحور يختلف تعاطي الأسر معه، حيث هناك من الأسر التي تفضل الاعتماد على وجبات خفيفة، خاصة منها التي تكون قد أعدت قبلا وجبة العشاء، وتناولها أفرادها، ما يكفيهم منها، وهناك من تجعل منها وجبة تجمع بين العشاء والسحور في الآن ذاته، حيث يتم إعداد لحم الإبل مع الأرز، أو شواء لحم الإبل، ليتم بعدها أداء صلاة الفجر قبل أخذ قسط من النوم استعدادًا ليوم جديد تتكرر فصوله ومشاهده عاكسة أجواء رمضانية مميزة ومتفردة بقلب حاضرة الصحراء.
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر