أنشأ تنظيم "داعش" أكثر من موطئ قدم في سرت الليبية، على شواطئ البحر المتوسط، حيث يسيطر مقاتلي التنظيم على وسط المدينة. وتم إرسال كتائب ليبية لإزاحة المجموعة المتبقية التي تخيم في الأطراف، خائفين من السماح بدخول المتطرفين وخروجهم كما يشاءون.
وصرح قائد اللواء 166 محمد عمر الحسن, الذي يبلغ من العمر 28 عامًا: نحن نسمح لهم بالانزلاق، وذلك لأنه كلما قل القتال كلما كان ذلك أفضل.
وأضاف: لماذا تعاني المدينة ؟ وحاول شرح تأخيره لأكثر من 16 يومًا بعد وصول اللواء في سرت.
بعد أربع سنوات تقريبًا من الإطاحة بالعقيد معمر القذافي، أصبحت المدن والبلدات المتحاربة في ليبيا متشابكة حتى في الصراعات الداخلية على المال والسلطة، حيث فتحوا الباب لـ"داعش" للتوسع في صحاريها الغنية بالنفط وسواحلها مترامية الأطراف, وأصبحت ليبيا جبهة جديدة للجماعة المتطرفة حيث جاءت في ظل الضغط المتزايد من الضربات الجوية التي تقودها الولايات المتحدة على معاقلها الأصلية في العراق وسورية.
في حين أن المنظمات المتطرفة الأخرى سعت فقط للاستفادة من اسم "داعش" المخيف، فالجماعة هنا في سرت لم تسيطر فقط على مدينة ليبية كبرى ولكن أيضًا أثبتت تنسيق واضح مع المنظمة الأم.
وانضمت مجموعة واحدة على الأقل من المقاتلين من الثلاث مناطق الليبية إلى موجة من القوات المسلحة في أفغانستان والجزائر ومصر ونيجيريا والتي ربطوا أنفسهم علنًا بـ"داعش"، في حين أن العديد من تلك الانتماءات قد تكون في المقام الأول مجرد محاولات من قبل المتطرفين المحليين للاستفادة من الاسم المخيف، وتبقى الوحدة في سرت بمفردها على حدة, بالإضافة إلى الهيمنة على المدينة التي يقطنها أكثر من 120 ألف نسمة.
وظهر فيديو أخيرًا يصور قطع رؤوس المسيحيين المصريين المختطفين من سرت وعلى ما يبدو تم تسجيله على الشاطئ الليبي، لكنه أظهر أيضًا التطور السمعي البصري للمجموعة الأم، وتم نشر الفيديو تحت شعار وسائل الإعلام الخاصة بها.
وهذا التعاون الوثيق يحدد جماعة "داعش" في سرت بصرف النظر عن موجة المسلحين الآخرين الذين تعهدوا بالولاء لـ"داعش" من أفغانستان والجزائر ونيجيريا ومصر، أو حتى في المحافظات الجنوبية والشرقية في ليبيا.
ولكن حتى بعد الضجة الدولية التي أثارها الفيديو، لم تكن السلطة الليبية قادرة على اتخاذ أيَّة إجراءات فعالة ضد الجماعة, وقسمت اثنين من ميليشيات الائتلافات المتحاربة في البلاد، وكل منها - بما في ذلك تلك التي أرسلها السيد حسن ومقاتليه، والمعروفة باسم اللواء 166 - تبدو أكثر عزمًا على محاربة الآخر في إفشال "داعش", وما هو أكثر من ذلك، فتسبب في شلل صادرات النفط في ليبيا حيث يتمثل الخطر في انهيار العملة والاقتصاد في البلاد قريبًا.
وتقوم الحكومات الغربية بإبقاء العين الساهرة, وأشار أحد المقاتلين من كتيبة السيد حسن إلى ما بدا أنَّها طائرات مراقبة بيضاء دون طيار أو طائرة تحلق في سماء المنطقة.
ويستخدم مقاتليه الحذر الشديد عند الطواف في المدينة, بمرافقة صحافي غربي في زيارة قصيرة، وكانوا حريصين على عدم دخول المدينة نفسها, للوصول إلى نقطة واحدة على مشارفها، وجلب السيد حسن شاحنات للحماية، البعض منها مثبت عليه مدفعية، وأبقى مقاتليه في حالة تأهب مستمر.
وصرح السيد حسن بأنَّ كتيبته سيطرت على المطار, ولكن لم تكن هناك أيَّة علامات أنَّها أقامت نقاط تفتيش، حتى في المناطق الحساسة مثل الطريق الساحلي عند مدخل المدينة أو الطريق الرئيسي المؤدي إلى المطار, وتوجد على الجدران كتابات مثل "انظر الجهاد" على طول الطريق الرئيسي خارج المدينة.
وتسيطر "داعش" على محطة الإذاعة المحلية, وتبث جميع المحطات الأربعة الخطب المتشددة. وأضاف حسن بضجر: إنَّهم يستخدمون المحطات الإذاعية للبث، وهي تجذب الكثير من الناس للانضمام إليهم.
وأوضح أنَّه وغيره من قادة الميليشيا المحلية نقلًا عن مخبرين داخل سرت أنَّهم يعتقدون أنَّ عدد مقاتلي "داعش" في المدينة حوالي 200 أو أقل، في حين تحظى كتيبة السيد حسن بالمئات, وأصر على أنَّه لا يحتاج إلى التعزيزات.
وأضاف السيد حسن: لكن نفوذ "داعش" كانت راسخة بعمق، وأقوى مما كان متوقعًا, وجئنا هنا بأوامر للاستيلاء على المدينة، ولكن فوجئنا بالأعداد التي انضمت إليهم.
ويقع تحالف الميليشيا المنافسة، في المدن الشرقية من طبرق والبيضاء تحت قيادة الجنرال خليفة حفتر، الذي يصف نفسه بأنَّه منقذ ليبيا من المتطرفين، بما في ذلك مقاتلي "داعش".
وصرح قائد القوات الجوية في قوات الجنرال حفتر, صقر آل جاروشي، بأنَّ ليبيا أصبحت بيت المال، وكانوا في طريقهم لتصدير التطرف في جميع أنحاء العالم.
ولكن عادة ما يصف قادة التحالف كل معارضيها بالمتطرفين، بما في ذلك الميليشيات الإقليمية مثل السيد حسن, وعرض مقاتلي اللواء 166 بعض الأدلة على أن قوات تحالف حفتر قاموا بقصف مواقعهم خارج المدينة.
ويصرح الباحث في مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي، فريدريك هري، بأنَّه رأى أدلة على أنَّ طائرات حفتر أسقطت قنابل عنقودية على مصرف وأهداف مدنية أخرى خلال القتال في المدينة الساحلية بن جواد.
ويشمل التحالف الذي بعثه السيد حسن، والذي يعرف باسم فجر ليبيا ويعارض حفتر، بعض الجماعات المتطرفة في مدن شرق ليبيا، بنغازي, درنة وربما في أماكن أخرى, ويحاول مؤيديها كثيرًا أن يجادلوا بأنَّ مقاتلي "داعش" في سرت هم مجرد واجهة لأتباع القذافي أو أنصار الجنرال حفتر.
وأكد رئيس وزراء الحكومة المؤقتة التي شكلها ائتلاف فجر ليبيا في طرابلس, عمر حاسي، أنَّ هناك الكثير من الناس الذين انضموا إلى هذه المجموعة التي تسمى بـ"داعش" وهي في الواقع بقايا النظام السابق الذي قاتلناه في العام 2011.
ورفض السيد حاسي صور قطع الرؤوس ووصفها بأنها ملفقة "مثل أفلام هوليوود" فهي مجرد طبخه لإثارة الرعب في مصر.
وبيَّن السيد حسن أنَّ التاريخ كان أحد الأسباب التي جعلت قواته تتردد في التحرك، لأنَّه يخشى أن يزيد العمل العسكري العدواني ضد "داعش" من دعمها للقبائل المحلية التي ما زالت تشعر بالاستياء من ميلشيات مصراتة لتدمير مدينتهم في العام 2011.
وبعد انتقال فرق مصراتة إلى سرت في العام 2011، أعترف السيد حسن وغيره، أنَّ بعض استمرارات احتلال المدينة تحولت في نهاية المطاف إلى جماعة متطرفة، مثل جماعة أنصار الشريعة من سرت، الموازية للمنظمات التي تحمل الاسم نفسه في بنغازي ودرنة.
منذ أكثر من شهرين، قال السيد حسن وغيره، إنَّ أنصار الشريعة في سرت قاموا بتقسيم النزاع حول البيعة لـ"داعش"، وأولئك الذين اختاروا أن يتحالفوا معهم برزوا كفصيل مهيمن, وأضاف: إنهم كانوا النواة.
وأثار مقاتل يدعى سليمان علي موسى، 58 عامًا، النظرية القائلة بأنَّ "داعش" قد أصبحت مجرد "لافتة" للمجرمين أو الموالون للقذافي, ولكن رد السيد حسن بأنَّ ذلك لا يهم, فإذا كانوا يرفعون علم "داعش" الأسود ويقوموا بالوعظ لأفكار "داعش" فيصبحون بالفعل "داعش".
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر