الجزائر ـ سميرة عوام
تحولت الطّرقات السريعة وحواف المساحات الخضراء المتاخمة للحدود التونسيَّة مع ولاية الطارف، إلى منطقة خصبة لترويج السّلع الرخيصة والمنتجات الفورية، بصرف النظر عن الظروف غير الصحية التي تعرض فيها تحت أشعة الشمس وغبار ودخان السيارات.ويلاحظ الزائر إلى منطقة أم الطبول التي تتوسط الجزائر وتونس إقبال بعض الشباب هذه الأيام على نصب أماكن على مستوى كل طريق مؤدٍّ إلى الجارة تونس من أجل الاستثمار في مختلف السلع المقدمة، وذلك من أجل توفير بعض مصروف الجيب للعائلة، فأينما توجهت تشاهد هؤلاء الباعة عارضين سلعهم المختلفة بجوانب الطرقات من كسرة رخسيس ومطلوع، بالإضافة إلى الخضر والفواكه الموسمية والسمك، وكذلك الكباش والتي لقيت رواجًا كبيرًا من طرف السواح التوانسة وحتى مستعملي هذا الطريق، إضافة إلى أنه يتم ذبح البط البريّ والخروف الجبلي والذي يشوى على المجمرة ليقدم ساخنًا للزوار والعائلات التي تحب التردد على مختلف المنتجعات الجبلية التي تقاطع الطريق الرئيسي المؤدي للحدود التونسية، كل شيء معروض على الطريق هو صالح حسب الباعة للاستهلاك وبأسعار منخفضة جدًّا.
وفي جولة قادتنا إلى طريق السواقة في منطقة أم الطبول في ولاية الطارف تجد لافتة كبيرة كتب عليها جمهورية تونس، فيتخيل للزائر أنه يدخل عبر الحدود وهو متخفٍّ إلى الجارة تونس، إلا أن اللافتة في الحقيقة وضعها بعض البطالين من أجل الاسترزاق و الاستثمار مع السواح التوانسة وكذلك الجزائريين، وعلى الطريق المؤدي إلى المنارة التي تقبع فوق هضبة شاطئ كبروزا وجدنا هؤلاء الباعة مصطفين على طول الطريق، والسلع متراصة يأتي بها سكان المناطق الجبلية والقرى المجاورة لأم الطبول وبوحجار ، من أجل عرضها لأنهم على حد شهاداتهم لا يملكون مكان لبيع منتجاتهم من خضر وفواكه وذرة وغيرها من السلع الموسمية، وحسب بعض الشباب الذي وجدناهم منهمكين في ترتيب سلعهم التي كانت مخبأة بإحكام في علب من الكارتون فإنهم يختارون مثل هذه الأماكن والفضاءات، من أجل العمل لأنهم يسترزقون من هذا النشاط وذلك لمساعدة عائلاتهم لأن أغلبهم من ذوي الدخل الضعيف، أما "لمين" وهو شاب آخر اعتاد كل زوار تونس على وجهه المبتسم وهو يبيع السمك المشوي على الجمر فهو يتقن جيدًا لغة التعامل مع الزبون وذلك من خلال جلب الزبائن له وتقديم السمك المشوي المصحوب بالمتبلات وبعض المنكهات مثل إكليل الجبل والزعتر وغيرها من التوابل التي تفتح شهية المتوافدين على مدينتي عنابة وتونس للتمتع باخضرار الجبال التي تغطت قممها خلال موسم الربيع الفارط، وفي هذا الشأن أكد لنا " لمين" أنه يمتهن مهنة بيع الخضروات الموسمية منذ سنوات وهي تدر عليه بعض الدريهمات التي يوفرها خلال فصلي الصيف حتى الخريف لشراء بعض الألبسة الخفيفة أو الذهاب في رحلة إلى الشقيقة تونس للتنفيس والترفيه ونسيان تعبه ولهثه على هذه الدنانير التي لا تكفي حاجته اليومية، ليضيف أنه وجد صعوبة في ترويج سلعته منذ أن عرفت تونس الثورات الشعبية، لكن ذلك استقر مؤخرًا حيث عاد التواصل مع العائلات التونسية والتي تفضل السلعة الجزائرية.
غيَّرنا الوجهة نحو زاوية أخرى من الطريق ووجدنا الطفل أكرم يحمل أكياسًا معبئة بالفواكه منها البطيخ والكيوي وغيرها من الثمار، حيث أكد لنا الطفل أن لهم حقلًا زراعيًّا يزرعون فيه مختلف الخضر والفواكه، ويتم بعدها عرض السلعة على مستوى الطريق وأشار أن الزبائن يفضلون شراء سلعته لسببين أولها سعرها المنخفض مقارنة بأسعار السوق المحلية والثاني لنوعيتها الجيدة لأنها تباع وهي طازجة.
أما رفيقه رياض فهو طالب جامعي يشترك مع أخيه سفيان في العمل على طاولة نصبها بجانب الطريق المؤدي إلى الحدود التونسية، عرض عليها مختلف الخضر والدجاج الأبيض والأحمر وكذلك البيض، وتوقفنا عنده، بعد أن جلبتنا إليه أنواع الفواكه المختلفة التي عرضها وكذا الطريقة الجيدة التي قدم بها سلعته، وأكد لنا أنهم تعودوا على البيع في الطريق كل موسم، وذلك قبل حلول فصل الشتاء، ليضيف ذات المتحدث أن الحركة التجارية تشهد تطورًا كبيرًا بعد الاستقرار بالجارة تونس، وأنه يروج سلعته للعائلات التونسية، وأن أغلبية الشباب هنا يستغلون هذه الفرصة وامتهان التجارة الموسمية لربح بعض المال خصوصًا إذا كان طالبًا مثله ويحتاج لهذا العمل، وعن مصدر السلعة يضيف محدثنا أنه يأتي بها من ولاية الطارف المعروفة بجودة خضرها وفواكهها.
ولفت نظرنا أن السلع المعروضة على مستوى الطريق المحوري المتواجد في أم الطبول، يجلب عددًا كبيرًا من أصحاب السيارات والمغتربين والسواح الأجانب، وحسب الباعة فإن تعليمات وزير التجارة مصطفى بن بادة والمتعلقة بمحاربة التجارة الفوضوية لم يسمع بها، وقد أجمع كل من التقينا بهم أنهم يسترزقون بالحلال ولا يسرقون وأن على الدولة أن توفر لهم أسواقًا لترويج بضائعهم وسلعهم.
وقد أثار استياء الزوار انتشار الطاولات والأماكن الخاصة ببيع السمك وفواكه البحر الأخرى طوال اليوم تحت أشعة الشمس، وغبار السيارات ، وفي هذا الشأن بيَّن تاجر قديم في المنطقة يدعى علي، أنه يعتمد كثيرًا على هذه المهنة والمتعلقة بتحضير مشواة عليها الفحم الذي استقدمه من أشجار الزان حسب شهاداته لأنه صحي، وعلى المشواة تجهز الأسماك خاصة منها التونة والسردين، ولا يجد حرجًا في عرض المأكولات السريعة بجانب الطريق، إلا أنه لا يبالي بأدنى الظروف الصحية التي تعرض فيها وعلى الرغم من علمه بفساد هذه الأسماك وإتلافها تحت الارتفاع المفاجئ لدرجة الحرارة خاصة بذوبان الثلج تحت الشمس بعد ساعات من جلبه من المسمكة، ويكتفي التاجر برش السمك بماء البحر حتى لا يفقد لمعانه من جهة ولإيهام الزوار بأنه جديد تم اصطياده منذ ساعات فقط ثم يعود لمشواته بعد أن يكون قد تبل الأسماك بمختلف التوابل منها المعدنوس والكمون للقضاء على الرائحة المنبعثة منه، وعلى بضع مترات مباشرة نجد بائعًا آخر يعرض اللحوم الحمراء والدجاج تحت أشعة الشمس والغريب في الأمر أن المستهلكين يتوافدون عليه لشراء الدجاج لأن سعره لا يفوق 600 إلى 700دينار جزائري، وهي أسعار منخفضة مقارنة بالأسواق المنظمة في ولاية الطارف، وتشير كل هذه العوامل إلى المستوى المعيشي المتدهور للزبون.
وفي الزاوية المقابلة لطاولة الدجاج أسماك يقال إنها مجمدة تباع على قارعة الطريق إلا أن أغلبها قد ذاب الثلج منه بسبب الغبار والهواء الساخن والذي يلفح وجوه الزبائن بمجرد وصولهم إلى الطاولة، وهذا ما يشكل حسب بعض العائلات التونسية خطرًا كبيرًا على صحة الإنسان لأن السمك إذا نزع منه التجميد يجب أن يطبخ في حينه، و لا يجب عرضه مرة أخرى للبيع تحت الغبار وأشعة الشمس.
وفي سياق آخر تعرض خلال الأيام الأولى من موسم الخريف التي تدخل متثاقلة بالحرارة والرطوبة العالية الخانقة، أقفاص كبيرة مملوءة بعدد هائل من طيور السمان غير البرية والبط المائي ، وتثير ألوان هذه الطيور انتباه مستعملي طريق أم الطبول، حيث يتم شرائها بعد ذبحها بوسائل غير معقمة من طرف التجار أنفسهم وشويها على الجمر وبالطريقة التونسية كما يطلقون عليها الباعة.
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر