الدار البيضاء - سعيد بونوار
تسبب تزايد نشاط "القراصنة" الإلكتروني في توقف حركة الإنتاج الغنائي المغربي، وأغلقت عشرات الشركات أبوابها، وسرحت عمالها، كما أقفلت كبريات القاعات السينمائية شبابيكها.
وبات "القراصنة" يتربصون بكل جديد، لإعادة استنساخه بطرق غير مشروعة، وطرحه في الأسواق بأثمان بخسة، حيث أصبح عاديًا أن يرد فنان على أسئلة الصحافيين أو المعجبين بالقول
إنه لن يصدر أي جديد، في ضوء نشاط عصابات "القرصنة"، التي اقتنت أحدث الآليات، والطابعات، وأغرقت الأسواق بنسخ غير أصلية.
ويقضي أكثر من 250 شخصًا عقوبات حبس مختلفة، في السجون المغربية، لسبب امتهانهم لقرصنة "الأقراص المدمجة" (سي دي)، وتداولت المحاكم المغربية، في أقل من عام، ما يفوق 514 قضية، أصدر فيها القضاة أحكامًا تراوحت ما بين شهر وخمسة أعوام، وغرامات بالملايين، لفائدة المكتب المغربي لحقوق التأليف، والمركز السينمائي المغربي، والتنظيمات الفنية المتضررة.
ويتوقع أن يتضاعف الرقم المسجل العام الجاري، على الرغم من التدابير الزجرية، التي اتخذتها الحكومة، لمواجهة ظاهرة قرصنة المصنفات الفنية، والتي وضعت المغرب في أولى المراتب عالميًا، من حيث الاعتداء على حقوق الملكية الفكرية و"القرصنة"، وتصل نسبة القرصنة في المغرب إلى 95%، وتحرم خزينة الدولة ما يفوق الـ 226 مليون دولار، حيث يتوزع الباعة في أحياء المدن، وفي القرى، ويعرضون أحدث الأفلام، والمنتجات الغنائية، بـ 3 دراهم (أقل من نصف دولار).
وتعمد السلطات إلى التغاضي عن انتشار هذه التجارة، لدعوى امتصاصها للبطالة، وهو ما دفع بالمهنيين، الذين يشتغلون في القطاع، إلى رفع تظلمات إلى وزارة الداخلية، والإدارة العامة للجمارك، بشأن الحد من إغراق الأسواق المغربية بملايين الأقراص، التي تستعمل في "القرصنة".
وتضمنت دعوة للتحقيق مع كبار "مستوردي" هذه الأقراص، الذين يوفرون المادة الخام للمقرصنين، في حين جددت جمعيات ونقابات المصنفات السمعية البصرية في المغرب مطالبتها بحل سياسي، لوقف نزيف القرصنة، التي دمرت قطاعات فنية وتجارية وصناعية واسعة، ودعت هذه التنظيمات إلى تفعيل الترسانة القانونية، وتطبيق بنودها ضد "المقرصنين"، مع ما يترتب عنها من إخلال بالاتفاقات المغربية الدولية، ومن إبعاد للمستثمرين الأجانب، وتشويه سمعة المغرب، وتشريد الأسر، والإضرار بخزينة الدولة، وضياع حقوق المبدعين.
وباشرت فرق أمنية تحقيقاتها، بشأن طرق تصريف أكثر من 45 مليون قرص مدمج، تلج المغرب عبر موانئه الرئيسية، ولا يستعمل منها إلا 5 ملايين في أمور مشروعة، وتتجه التحقيقات إلى معرفة مصير الـ40 مليون قرص المتبقية، وما إذا كانت تستغل في الاعتداء على إبداعات الفنانين والمؤلفين.
وذكرت مصادر مطلعة أن "ملف محاربة القرصنة، بمختلف تجلياتها (البرمجيات والكاسيت والسي دي والعلامات التجارية) وبصورها، المتعلقة بالاعتداء على حقوق المؤلفين والمبدعين، بات على مكتب رئيس الوزراء، بعد الأشواط التي قطعها المهنيون، بالتعاون مع المكتب المغربي لحقوق التأليف، ووزارة الاتصال".
وقال رئيس الجمعية المغربية لمنتجي المصنفات السمعية البصرية، في لقاء خاص مع "المغرب اليوم"، أن نتائج محاولات المهنيين قادت إلى الباب المسدود، وأضحت تفرض تدخل رئيس الوزراء عبد الإله بن كيران.
يذكر أن "القراصنة" تواجههم تهم ضخمة، يجهلها معظمهم، ومنها بنود قانون الملكية الصناعية (17/97) الذي خرج إلى حيز التطبيق أخيرًا، ويعاقب هؤلاء بالسجن من عام إلى ثلاثة أعوام، وغرامة مالية، تصل إلى مليون درهم (100ألف دولار)، حال ضبط منتوج يحمل علامة تجارية لمؤسسة إنتاج، أو شركة أو برمجيات الحاسوب "مستنسخ" بالطباعة مثلاً، وهو ما يقوم به "المقرصنون"، ومن القوانين أيضًا قانون (2000)، الخاص بحقوق المؤلف، والحقوق المجاورة، والذي يحيل إلى الفصول من (575) إلى (579) من القانون الجنائي، وينص على الحبس والغرامة، التي تصل إلى الملايين، وفق ما تؤكده الخبرة المنجزة على الأضرار، التي قد تلحق المنتج المعتدى عليه، كما يواجه "المقرصنون"، ومنهم الباعة المتجولون، تهم احتلال الملك العمومي، والمنافسة غير المشروعة، والمخالفات الضريبية.
وغيَّر عدد من المنتجين نشاطهم إلى العقار، بعد أن استنفدوا كل مجهوداتهم، للحد من الظاهرة، إلى درجة أن مختلف المتضررين أسسوا تنظيمًا جمعويًا للدفاع عن حقوقهم، وأوكلت مهمة رئاسته للمخرج السينمائي نبيل عيوش، والمصنف على قائمة المتضررين من قرصنة أحدث أفلامه، حتى قبل عرضها في القاعات.
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر