بدون مغامرة مسرحية عراقية متكاملة تُعرض في مانهايم الألمانية
آخر تحديث GMT 06:12:26
المغرب اليوم -

تتحدث عن مأساة لاجئتين تتقاسمان القلق في أرض المنفى

"بدون" مغامرة مسرحية عراقية متكاملة تُعرض في مانهايم الألمانية

المغرب اليوم -

المغرب اليوم -

مسرحية "بدون"
بغداد – نجلاء الطائي

عُرضت مسرحية "بدون" باللغة الألمانية في مدينة مانهايم، على خشبة مسرح المعهد العالي للفنون "آلانوس"، وهي مقتبسة من مجموعة مسرحية قصيرة للكاتب العراقي ماجد الخطيب تحت عنوان "بدون ألمانيا"، في استعادة ضمنية لمصطلح "من دون" الذي يطلق عادة على المقيمين من دون أوراق رسمية في دولة الكويت.

أما "البدون" في المسرحية فهما "فائزة" و"ماريا"، امرأتان مهاجرتان في ألمانيا، تلتقيان صدفة في "بيت النساء"، حيث التجأتا هربًا من العنف الأسري. ورغم أن فائزة عربية الهوية وماريا شرق أوروبية، لكنهما تتشاركان المعاناة الجسدية والنفسية، وتجمعهما معًا الغربة عن المجتمع الألماني واللغة الألمانية، فتبدأ صداقة من نوع خاص بالتشكل بينهما، وتعثران على لغة للتخاطب، هي مزيج من ألمانية مكسرة وإنجليزية وحركات إيمائية، فأحيانًا لا تحتاج وحدة الحال لكثير من الشرح، ولا يحتاج الألم إلى كثير من الكلام.

وقد أضاف المخرج رياض القزويني شخصية ثالثة للنص المسرحي، هي شخصية مديرة "بيت النساء" التي تلعب دور الراوية للحكاية أيضًا، ومعها تبدأ المسرحية حيث تظهر بداية وتهيئ الجمهور للدخول إلى عالم البطلتين، فتقول: "سنروي لكم حكاية، ولكنها ليست بحكاية"، في إشارة إلى أن الحكاية ما هي إلا يوميات لنساء حقيقيات، هن ضحايا لعنف مزدوج، عنف الزوج وعنف الاغتراب، ولكنها أيضا حكاياتهن بألسنتهن، حيث لا وجود للرجل على الخشبة، إلا بما تركته أصابعه من كدمات على أجساد هؤلاء النساء، ومن خوف على أرواحهن.

بعد أن تقدم المديرة الحكاية، وتعرب في اتصال هاتفي مع مفتش الشرطة عن عدم توافر أماكن شاغرة لديها لاستقبال المزيد من النساء الفارات من العنف الزوجي، تغادر المسرح وتتركه للبطلتين الرئيسيتين، اللتين تظهران بداية في عتمة حالكة، وفي يديهما هاتفاهما النقالان كمصدر إنارة وحيد، وكبطاقة تعارف أيضًا تعرض بها كل واحدة للأخرى ذاكرتها الرقمية، بكل ما فيها من صور شخصية وذكريات في أوطان بعيدة.

وعندما تضاء الخشبة، نشاهد "فائزة" تقف وحيدة (قامت بدورها ندى صبح)، وبين ذراعيها طفلتها الرضيعة، تغني لها أغنية فيروز "نامي يا صغيرة"، وعندما تخلد الصغيرة للنوم تلتقط "فائزة" مرآتها، ثم بحركة عصبية نجدها تمسح أحمر الشفاه وترمي المرآة جانبًا، وكأنها تشعر بعبثية التزين في مكان، لا وجود للرجال فيه، ولا يعشش فيه إلا الخوف والوحدة، ففي "بيت النساء" لا وجود للرجل في مكان إقامة سري مخصص للنساء المعنَّفات، لمساعدتهن على استعادة توازنهن النفسي، وتلمس بدايات جديدة في الحياة.

وبالعودة إلى "فائزة" في المسرحية، التي تحاول رغم كل الظروف البائسة أن تستعيد البهجة في حياتها من جديد وتجعل غرفتها الباهتة في "بيت النساء" أكثر حرارة وحميمية، فتشغل المسجل على أغنية للمطربة فيروز، وتحضر المقبلات والشراب في انتظار أن تحضر زميلتها في البيت "ماريا" (قامت بدورها روض الخطيب) للسهر معها، ثم تغفو من شدة التعب على صوت فيروز "إيه في أمل".

وكما هي الشخصية العربية عادة مضيافة وانفعالية، ترحب فائزة بصديقتها "ماريا" عندما تصل، وتفتح أبواب غرفتها وقلبها لها وتستمع لهواجسها وقلقها، وتحاول أن تهدئ من خوفها من زوجها، الذي شاهدته يحوم حول البيت وفي يده مسدس. وبعد أن تشربان الجعة الألمانية، ترفع كل واحدة نخب الأخرى بلغتها الأم وتبكيان معًا، فالدموع لغة الأسى بلا وسيط، ثم تستحضر "فائزة" موسيقى "أم كلثوم"، فسهر الليالي العربية بلا "كوكب الشرق" لا يكتمل، وكما تقول "فائزة" في المسرحية: اليوم سنرقص ونفرح وننسى.

وهكذا تأخذ معها "ماريا" إلى عوالم الرقص الشرقي، وتبدأ الحواجز تزول بين الغريبتين تحت تأثير الخمر والموسيقى، وأيضًا بسبب الوحدة والحاجة إلى البوح، ورويدًا رويدًا تكشف كل امرأة للأخرى عن كدمات الروح والجسد التي خلفها زوجاهما، ومعًا يتقاسمان القلق على مستقبل غامض في أرض غريبة، لا عائلة لهما فيها ولا مهنة ولا لغة. وبعد أن تبوح كل واحدة للأخرى عن متاعبها، تدخل كل منهما على حدة في بوحها الداخلي، حيث تقف في مواجهة نفسها والجمهور والضوء مسلط عليها.

ومن اللافت للنظر أن المونولوج هنا كان بلغة ألمانية رفيعة لا تشبه الألمانية المكسرة، التي كانت المرأتان تتخاطبان بها، فالروح تخاطب نفسها بطلاقة ولا تتلعثم في تهجئة المشاعر والأحاسيس، والألمانية الفصيحة في المسرحية استخدمت كبديل "للغة الأم" التي عادة يتحدث بها الإنسان مع نفسه ويحلم بها. وعندما تسأل "ماريا" صديقتها عن سر السعادة في عينيها، تخبرها "فائزة" بأنها تعيش قصة حب جديدة، ونراها تلتقط المرآة المرمية على الأرض وكأنها تستعيد أنوثتها المنسية. فتلح عليها "ماريا" لتروي أكثر وأكثر، وكأنها عنكبوت ينسج خيوطه بهدوء وتروٍ.

ولا يقطع سيل الكلمات إلا صوت ارتطام حصاة صغيرة بالنافذة، هي إشارة الحبيب إلى "فائزة" أنه بانتظارها على ناصية الرصيف، فتسرع "ماريا" إلى النافذة لتتعرف على ملامحه، فتكتشف أن عشيق فائزة الجديد ما هو إلا زوجها، الرجل العنيف والخطير نفسه، وكأن الذئب ارتدى ثياب الأمير لينقض على فريسة جديدة. وهكذا يتصاعد الخط الدرامي وتنتقل الإضاءة من الأزرق الهادئ إلى الأحمر الحاد، ويقع شجار بين المرأتين تتبادلان فيه الاتهامات، وتسقط بعده "فائزة" على الأرض باكية، طالبة الصفح من صديقتها لجهلها بحقيقة الزوج.

وهكذا ندخل كجمهور مثلث العلاقة الشهير "رجل وامرأتان"، ونشهد الصراع الأزلي بين الحب والصداقة، صداقة نشأت على عجل بين امرأتين، شردهما الرجل وجمعهما الهروب منه في مكان معزول، ليفرقهما من جديد حب الرجل والخوف منه أيضاُ. وفي النهاية تحسم "ماريا" الموقف عندما تقف في وسط الخشبة معلنة أنها لن تخاف بعد اليوم، وعندما تغادر نسمع صوت طلقة. وعندما تعود "ماريا" تكون مضرجة بالدماء، فتغفو بين يدي "فائزة" التي تهدهد موتها بأغنية "نامي يا صغيرة"، وتنتهي المسرحية بأغنية النوم تمامًا كما بدأت، نوم طويل بلا أحلام، ووجع أرواح معذبة تحمله أينما رحلت، ومجتمعات مستباحة تعيد إنتاج نفسها حتى لو غيرت جلدها، بصرف النظر إن كانت تلك المجتمعات شرق أوسطية أو شرق أوروبية، فكلاهما مجتمعات عاشت القمع والاضطهاد السياسي، الذي حتمًا سينتج قمعًا أسريًا ونفسيًا.

 مع الإشارة هنا إلى أن المرأة الشرق أوسطية تتعرض للعنف الأسري من دون أن تظهر الإحصاءات الأرقام الفعلية، فجزء من ثقافتنا وعاداتنا أن تبقى أسرار البيوت داخلها ولا تخرج إلى العلن، بالإضافة إلى أن هناك الكثير من النساء اللواتي يقبلن عنف الأزواج، بسبب الخوف أو لاعتقادهن أن الرجال قوامون على النساء، ويحق لهم استباحة أجسادهن.

 دون أن ينفي هذا طبعًا تعرض المرأة الأوروبية الغربية أيضًا للعنف الأسري، ولكن تبقى المرأة هناك أكثر وعيًا بحقوقها، ويبقى القانون سيد الموقف في النهاية، وما "بيوت النساء" الألمانية إلا شكل من أشكال الحماية للمرأة وملجأ لها من التعنيف الجسدي والنفسي. وربما كانت إضافة شخصية ألمانية ما ينقص فعلًا المسرحية، لتكتمل الصورة ويحاط الموضوع من جميع أبعاده، فالعنف الجسدي ضد المرأة لا جنسية ولا دين له.

ومن اللافت أيضًا أن فعل القتل يرتكبه الرجل الأوروبي لا الشرق أوسطي "زوج فائزة" مثلًا، وفي هذا ابتعاد عن "كليشيه" جرائم الشرف المرتبطة عادة بالشرقيين في الإعلام الغربي، من دون أن يغفر هذا للعمل مغالاته أحيانًا بالميلودراما، أو عامل الصدفة في وقوع "فائزة "في غرام زوج "ماريا" بالذات. في الختام لاقت المسرحية استحسان الجمهور الألماني والعربي على حد سواء، وتميزت بأداء متميز للممثلتين المشاركتين، لا سيما أنهما ممثلتان هاويتان. وتعتبر هذه المسرحية تجربتهما الأولى في ألمانيا، وكأنهما في مغامراتهما المسرحية تلك تشبهان بطلتي العمل، فهما أيضًا حاولتا تلمس أرواحهما في الغربة بروح غضة وكأنهما تعيشان الحياة والحب للمرة الأولى. ولكن يبدو أن الحياة لا تمنح فرصة أخرى إلا لمحترفي العيش فيها.

libyatoday
libyatoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بدون مغامرة مسرحية عراقية متكاملة تُعرض في مانهايم الألمانية بدون مغامرة مسرحية عراقية متكاملة تُعرض في مانهايم الألمانية



لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 19:00 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم الأربعاء 2 كانون الأول / ديسمبر لبرج الجوزاء

GMT 16:57 2018 الثلاثاء ,09 كانون الثاني / يناير

المذيعة سماح عبد الرحمن تعلن عن عشقها للإعلام

GMT 14:49 2020 الجمعة ,24 كانون الثاني / يناير

ليفربول يواصل سلسلسة انتصاراته وأرقامه المميزة

GMT 06:05 2019 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

غارات إسرائيلية جوية على أهداف لـ"حماس" شمال غزة

GMT 14:56 2019 الأحد ,19 أيار / مايو

الترجي التونسي يخوض 60 مباراة في موسم واحد

GMT 19:41 2018 السبت ,22 كانون الأول / ديسمبر

مصرع سبعة أشخاص في تفجيرين قرب القصر الرئاسي في الصومال

GMT 06:11 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

كتاب يكشف طقوس تساعد الإنسان على السعادة والاسترخاء

GMT 10:04 2018 الإثنين ,28 أيار / مايو

ألوان مميزة تعزّز ديكور منزلك في صيف 2018

GMT 02:11 2018 الأحد ,21 كانون الثاني / يناير

مهندس يعيد بناء كوخ بعد أن دمره تمامًا

GMT 12:15 2018 الإثنين ,15 كانون الثاني / يناير

سعر الدولار الأميركى مقابل دينار جزائري الإثنين

GMT 12:30 2017 الثلاثاء ,26 كانون الأول / ديسمبر

حسن أوغني يعود لتدريب فريق النادي القنيطري

GMT 03:41 2017 الأربعاء ,13 كانون الأول / ديسمبر

فيلم "the shape of water" يقترب من حصد جوائز النقاد في 2018

GMT 00:42 2016 الثلاثاء ,12 تموز / يوليو

اكتشفي أسباب عدم بكاء الطفل حديث الولادة

GMT 04:18 2017 الجمعة ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الملابس الصوفية عنوان المرأة العصرية لموضة هذا الشتاء

GMT 17:48 2017 الأربعاء ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

طوني ورد يطلق تشكية La Mariée الحصرية لفساتين الزفاف
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya