ولد كازانتزاكيس في عام 1883 في هيراكليون، ولم تكن كريت في حينها انضمت بعد إلى الدولة اليونانية الحديثة، التي أنشئت عام 1832، وكانت لا تزال تحت حكم الإمبراطورية العثمانية.
ودرس كازانتزاكيس القانون في جامعة "أثينا"، ثم ذهب إلى باريس في عام 1907 لدراسة الفلسفة فتأثر بفكر "هنري برغسون" وقدم أطروحته التي تحمل عنوان "فريدريش نيتشه على فلسفة الحق والدولة"، ولدى عودته إلى اليونان، بدأ ترجمة مؤلفاته الفلسفية.
والتقى أنجيلوس سيكيليانوس في عام 1914، وسافروا معًا لمدة عامين في الأماكن التي ازدهرت فيها الثقافة اليونانية المسيحية الأرثوذكسية، وتأثر إلى حد كبير بالحماسة الوطنية لـ "سيكيليانوس"، وإبان فترة دراسة "كازنتزاكيس" في باريس، تأثَّر بالفيلسوف والشاعر الألماني "نيتشه"، الذي غيَّر نظرته على حد قوله إلى الدين والحياة والله ، ودعاه إلى التمرد على أفكاره ومعتقداته القديمة كلِّها، حتى نظرته إلى الفنِّ تغيرت.
وأدرك كازانتزاكيس أن دور الفن يجب ألا يقتصر على إضفاء صورة جميلة وخيالية على الواقع والحياة، بل إن مهمته الأساسية هي كشف الحقيقة، حتى لو كانت قاسية ومدمِّرة، ويقول كازنتزاكيس في نيتشه : "ما الذي قام به هذا النبي؟ وما الذي طلب منَّا أن نفعله بالدرجة الأولى؟ طلب منَّا أن نرفض العزاءات كلَّها: الآلهة والأوطان والأخلاق والحقائق، وأن نظلَّ منعزلين من دون أصحاب ورفاق، وأن لا نستعمل إلا قوتنا، وأن نبدأ في صياغة عالم لا يُخجِل قلوبنا."
وانتقد كازانتزاكيس الأديان، إلا أنه لم يكن ينتقد رجال الدين كأفراد، وإنما ينتقد استخدام الدين كغطاء للتهرب من المسؤولية والعمل الفعَّال.
وبدأ مرحلة جديدة من حياته في فيينا من خلال التعرف إلى بوذا، فعكف على دراسة المناسك والتعاليم البوذية، ووفقًا لوجهة نظره أن المسيحية كانت تنظر إلى الحياة نظرةً مبسَّطة ومتفائلة جدًّا، على عكس البوذية التي تنظر إلى الكون بعين ثاقبة وعميقة ، لقد أحب "بوذا" بوصفه معلمًا ومرشدًا روحيًّا ومخلِّصًا.
وتطوع في عام 1912 في الجيش اليوناني في حرب البلقان، ثم عُيِّنَ في عام 1919 مديرًا عامًّا في وزارة الشؤون الاجتماعية في اليونان، وكان مسؤولًا عن تأمين الغذاء لـ 15 ألف يوناني وعن إعادتهم من القوقاز إلى اليونان.
واستقال بعد ذلك من منصبه وعمل في السياسة لفترة قصيرة، ثم عُيِّن وزيرًا في الحكومة اليونانية في عام 1945، ثم مديرًا في "اليونسكو "في عام 1946، وكانت وظيفته العمل على ترجمة كلاسيكيات العالم لتعزيز جسور التواصل بين الحضارات، بخاصة بين الشرق والغرب، ولكنه ما لبث أن استقال بعد ذلك ليتفرغ للكتابة.
وألف كتاب "الأوديسة" والذي كان ملحمة مؤلَّفة من 33.333 بيتًا، وبدأها من حيث انتهت أوديسة "هوميروس" واعتُبِرَ هذا العملُ ثورةً في مجال المفردات اللغوية والأسلوب، كما أظهر مدى عمق معرفة "كازنتزاكيس" بعلم الآثار والأنثروبولوجيا، كما كتب العديد من الأعمال الأدبية الهامة نذكر منها : "الأخوة الأعداء"، و"زوربا اليوناني"، و"الإغواء الأخير للمسيح"، و"الكوميديا الإلهية لدانتي"، وهكذا تكلم زاردشت لنيتشه، و"الإسكندر الأكبر" وهو كتاب للأطفال، والآلام باليونانية أو "المسيح يصلب من جديد"، وتقرير إلى غريكو وقنشرتْ زوجتُه هذا الكتاب بعد وفاته في عام 1961 من خلال جمع رسائل كازنتزاكيس ومذكراته.
تعرضتْ بعضُ أعمال كازنتزاكيس للرقابة، ومُنعَ نشرُها في بعض دول العالم. إلا أن كتاب "الإغواء الأخير للمسيح" الذي نُشِرَ في عام 1951 اعتُبِرَ الأكثر إثارة للجدل، إلى درجة أن الكنيسة الكاثوليكية الرومانية منعت الكتاب، وعمد البابا آنذاك إلى إدراج كتابه ضمن لائحة الكتب الممنوعة في الفاتيكان عام 1954 والذي أثار الجدل ذاته بعد أن نفذ المخرج الأميركي مارتن سكورسيزي هذا العمل في ثمانينيات القرن الماضي كفيلم سينمائي.
ومُنِحَ كازنتزاكيس جائزة "لينين" للسلام في عام 1957، كما ترشح في عام 1956 لجائزة "نوبل"، لكنه خسرها بفارق صوت واحد في التصويت، وحصل عليها ألبير كامو.
وطلب من ربِّه أن يمدَّ في عمره عشر سنوات أُخَرى ليكمل أعماله، كما كان يقول، وكان يتمنى لو كان في إمكانه أن يتسول من كلِّ عابر سبيل ربع ساعة بما يكفي لإنهاء عمله إلا أنه توفي في 26 تشرين الأول/أكتوبر عام 1957 في ألمانيا عن عمر يناهز 74 عامًا، ونُقِلَ جثمانُه إلى أثينا، ولكن الكنيسة الأرثوزكسية منعت تشييعه هناك، فنُقِلَ إلى كريت، وكُتِبَتْ على شاهدة ضريحه، بناءً على طلبه، هذه العبارة من قصص التراث الهندي "لا أمل في شيء، لا أخشى شيئًا أنا حر".
وخُصِّصَ له متحفٌ صغير في جزيرته كريت، واحتوى هذا المتحف على أشيائه الشخصية ومجموعة فيِّمة من المخطوطات والرسائل، بالإضافة إلى النسخ الأولية لكتبه، وصور ومقالات كُتِبَتْ عن حياته وأعماله.
وتقول عنه زوجته إنه كان نقيًّا وبريئًا وعذبًا بلا حدود مع الآخرين؛ أما مع نفسه فقد كان شديد القسوة، ربما لإحساسه بثقل المسؤولية الملقاة على عاتقه، وحجم العمل المطلوب منه، ولأن ساعاته في الحياة كانت محدودة.
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر