أبوالعتاهية شاعر عباسي بارز ساهم في تجديد الأدب العربي
آخر تحديث GMT 06:12:26
المغرب اليوم -

قصائده اتسمت بالسهولة والنزوع إلى الحكمة والوعظ

أبوالعتاهية شاعر عباسي بارز ساهم في تجديد الأدب العربي

المغرب اليوم -

المغرب اليوم - أبوالعتاهية شاعر عباسي بارز ساهم في تجديد الأدب العربي

أبوالعتاهية شاعر عباسي بارز
القاهرة - اسامة عبد الصبور

يُصنف أبو إسحاق إسماعيل بن القاسم بن سويد بن كيسان، المكُنى بأبي العتاهية باعتباره أبرز شعراء الخلافة العباسية، وقد كناه الخليفة المهدي فلازمته الكنية ومشتقاتها اللفظية إلى الأبد فكان يكنى بأبي العتاهيه والعتاهي.

وكلمة "عتاهية" تدلُّ على معانٍ كثيرة؛ فيقول بن منظور في "لسان العرب": "عته في العلم: أولع به وحرص عليه، والعتاهية ضلال الناس من التجنُّن والدهش، والتعتُّه المبالغة في الملبَس والمأكَل، ورجل عتاهية أحمق، وتعتَّه تنظف، كما قيل إنَّه كان له ولدٌ يُقال له: عتاهية، وهو القول الضعيف؛ لأنه لو كان الأمر كذلك للقب  بأبي عتاهية بغير تعريف.

ولد أبو العتاهية في عين التمر، وهي قريةٌ قرب الأنبار غرب الكوفة العام 130هـ، وانتَقَل مع أبيه صغيرًا إلى الكوفة، حيث كانت مدينة العلماء والمحدِّثين والعبَّاد والزهَّاد، وقد عاصَر فيها الشاعر أمثال علقمة بن قيس، وعمرو بن عتبة بن فرقد، والربيع بن خيثم، وأُوَيس القرني، والنخعي، والشعبي، وسفيان الثوري، وأبي حنيفة، والكسائي، والفراء.

نشَأ أبوالعتاهية نشأةً مُتواضِعة؛ إذ كان أبوه وأهله يصنَعون الفخَّار، فعمل بصناعة أبيه، وكان يحمل الفخَّار في قفصٍ على ظهره، ويَدُور بها في الكوفة ليبيعها.

ومع اتِّساع الكوفة وانتِشار الرخاء، نشَأَت فيها طوائِفُ من المُجَّان يقولون الشعر، متنقِّلين على معاهد اللهو، ومُوغِلين في حمأة المفاسِد، يَفسُقون ويتهتكون ويتزندَقُون وينعتون أنفسهم بالظرف، وأنهم حلية الأرض ونقش الزمان؛ أمثال: حماد بن عجرد، ومطيع بن إياس، ويحي بن زياد، وغيرهم، وفي هذه البيئة نشَأ أبو العتاهية، وكان يُخالِط هؤلاء الشُّعَراء المجَّان، ويختلف إلى حلقات العلماء ومجالس العبَّاد، ثم لم يلبَثْ أنْ تفتَّقت شاعريَّته، وأحسَّ من نفسه قدرةً على النَّظم؛ فأنشَدَ جماعة من مُتَأدِّبي فِتيان الكوفة شعرًا له، فأعجَبَهم، وأذاعُوه بين الناس، فإذا بطلاَّب الشعر والأُدَباء من أهل الكوفة يقصدونه، ويستَنشدونه ويكتُبون أشعاره على ما تكسر من الخزف في معمله.

ووفَد أبوالعتاهية إلى بغداد في خِلافة "المهديِّ" (158 - 169) في نحو الثلاثين من عمره، وكانت بغداد قد أخَذَتْ في الازدِهار، فانتَقَل النشاط العلمي من الكوفة والبصرة إليها بعد أنْ أصبحَتْ دار الخلافة، ومن ثم ذاعَ خبرُه ببغداد، فاستقدَمَه "المهدي" وقربه إليه، ومنذ ذلك الحين اتَّصَل أبو العتاهية به، وتَوالَتْ مدائحه فيه، فأكرَمَه وقدَّمَه على كبار شُعَراء عصره، ومنهم: بشَّار بن بُرد.

وفي هذه الفترة كان أبو العتاهية يقول الشعر مادحًا، وهاجيًا، ومتغزِّلاً غزلاً رقيقًا لينًا في جارية تسمى "عتبة"، وذاع صيته وانتشرت أشعاره بين الناس انتشارًا واسعاً.

وفي أيَّام الرشيد تنسَّك أبوالعتاهية، وزهد في الدنيا، وداخَل عالم العلماء والصالحين، ونظَم ما استفاده ووعيه من أهل العلم، فكان نظمه في الزهد والمواعظ والحكم لا مَثِيلَ له، وكأنَّه مأخوذٌ من الكتاب والسنَّة، وصار الزهد مذهبًا لأبي العتاهية، وطارَ شعرُه على الألسنة، وأقبَلَ عليه جمهورٌ من الخاصَّة والعامَّة.

وقد تعصُّب الرشيد لأبي العتاهية وتقديمه شعرَه على شعر كثيرٍ من كبار الشعراء من مُعاصِريه، وأمَّا العامَّة فكان أبو العتاهية يُلقِي عليهم شعرَه في المحافِل، فيزدَحِمون من حوله لسماعه ويُصفِّقون له ويتجاوَبون معه؛ لإحساسهم بأنَّه يعبِّر عن إحساساتهم الدينية، وميولهم الروحيَّة.

 لقد زهد أبو العتاهية في الدنيا، وفي لذائذها وشَهواتها، وخافَ الموت وما بعدَه، وخوَّف منه بأشعاره ، وذكَر من ذلك كثيرًا في شعره ممَّا يُعِين أهلَ العقل والدِّين والتقوى، ويَبعَثهم على الزهد في الدنيا.

 وبعد هذا تأتي أشعارُه الكثيرة التي يَشكُو فيها من ظُلم الناس وحسَدِهم إيَّاه، أو التي تدلُّ على حسن اعتقاده، وسلامة دينه، ونزعته إلى الزهد والوعظ والحكمة؛ لنُؤكِّد أنَّ الرجل قد تاب حقًّا وزهد في الدنيا صدقًا.

ومَن يقرأ في أرجوزته المزدوجة التي أسماها "ذات الأمثال"، يُدرِك أنَّه كان يستَوحِي عقلاً واعيًا ونظرةً ثاقبةً وفكرًا، وأنَّه فكَّر وتأمَّل فوقَف على ما في الحياة من خيرٍ وشرٍّ، وأدرَكَ أنَّ على الإنسان أنْ يُنمِّي فطرةَ الخير فيه، ويُقاوِم مَنازِع الشرِّ.

ومنها قوله:-

إِنَّ الشَّبَابَ وَالفَرَاغَ وَالجِدَةْ

مَفْسَدَةٌ لِلْمَرْءِ أَيُّ مَفْسَدَةْ

هِيَ الْمَقَادِيرُ فَلُمْنِي أَوْ فَذَرْ

إِنْ كُنْتُ أَخْطَأْتُ فَمَا أَخْطَا القَدَرْ

مَا انْتَفَعَ المَرْءُ بِمِثْلِ عَقْلِهِ

وَخَيْرُ ذُخْرِ المَرْءِ حُسْنُ فِعْلِهِ

ويُمثِّل شعر أبي العتاهية في الزهد اتِّجاهًا مهمًّا في تطوُّر الشعر العربي في عصره، ويُعَدُّ من مظاهر التجديد فيه ، فقد أعفى أبو العتاهية نفسه من مجاراة الشعر التقليدي، وجنَح بشعره إلى الشعبيَّة في الموضوع ومضموناته، وفي اللفظ والعبارة أيضًا.

وكان من أهمِّ خصائص أبي العتاهية في شعره الزاهد: سهولةٌ وشعبية في الألفاظ تُقرِّب شعرَه إلى أفهام الناس وتُحبِّبه إليهم، وتنزل به من سماء الشعر إلى دنيا الناس والواقع والحياة، هذا بالإضافة إلى قُرب مَعانِيه ولطفها، وبراءتها من التعمُّق أو الغموض، والقصد إليها دون واسطةٍ من صورة أو غيرها من ألوان البديع التي أولِع بها شُعَراء عصره، إلاَّ أنْ يأتيه شيءٌ من هذا عفو الخاطر.

 كلُّ ذلك إلى جانب غَزارَةٍ في المعاني أمدَّتْه بها حياتُه وسط العامَّة في الكوفة، ونشأته المُتَواضِعة بين عامة الناس، فكان ما وَعاه طبعُه وأفادَتْه قريحته منها أكثر ممَّا اكتَسَبه من تأدُّبه، واقتَناه من عِلمِه، وهذا ما جعَل شعره عامي المذهب، سريع الولوج إلى القلوب، قوي التأثير فيها.

وقد توفي العام 211هـ في بغداد عن عمر ناهز الـ80 عامًا تاركاً خلفه رصيدًا من الشعر يخلّد اسمه في ديوان الشعر العربي كأحد أهم رموز العصر العباسي.

libyatoday
libyatoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أبوالعتاهية شاعر عباسي بارز ساهم في تجديد الأدب العربي أبوالعتاهية شاعر عباسي بارز ساهم في تجديد الأدب العربي



لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 09:24 2024 الإثنين ,12 شباط / فبراير

تعرف على أبرز إطلالات شرقية فاخرة من وحي النجمات
المغرب اليوم - تعرف على أبرز إطلالات شرقية فاخرة من وحي النجمات
المغرب اليوم - عودة الرحلات الجوية عبر مطار ميناء السدرة النفطي

GMT 16:10 2020 الإثنين ,21 كانون الأول / ديسمبر

الألوان الدافئة والاستلهام من الطبيعة أبرز صيحات ديكور 2021
المغرب اليوم - الألوان الدافئة والاستلهام من الطبيعة أبرز صيحات ديكور 2021

GMT 19:00 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم الأربعاء 2 كانون الأول / ديسمبر لبرج الجوزاء

GMT 16:57 2018 الثلاثاء ,09 كانون الثاني / يناير

المذيعة سماح عبد الرحمن تعلن عن عشقها للإعلام

GMT 14:49 2020 الجمعة ,24 كانون الثاني / يناير

ليفربول يواصل سلسلسة انتصاراته وأرقامه المميزة

GMT 06:05 2019 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

غارات إسرائيلية جوية على أهداف لـ"حماس" شمال غزة

GMT 14:56 2019 الأحد ,19 أيار / مايو

الترجي التونسي يخوض 60 مباراة في موسم واحد

GMT 19:41 2018 السبت ,22 كانون الأول / ديسمبر

مصرع سبعة أشخاص في تفجيرين قرب القصر الرئاسي في الصومال

GMT 06:11 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

كتاب يكشف طقوس تساعد الإنسان على السعادة والاسترخاء

GMT 10:04 2018 الإثنين ,28 أيار / مايو

ألوان مميزة تعزّز ديكور منزلك في صيف 2018

GMT 02:11 2018 الأحد ,21 كانون الثاني / يناير

مهندس يعيد بناء كوخ بعد أن دمره تمامًا

GMT 12:15 2018 الإثنين ,15 كانون الثاني / يناير

سعر الدولار الأميركى مقابل دينار جزائري الإثنين

GMT 12:30 2017 الثلاثاء ,26 كانون الأول / ديسمبر

حسن أوغني يعود لتدريب فريق النادي القنيطري
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya