الرباط - علي عبد اللطيف
حاكمت ندوة بعنوان "اتحاد المغرب العربي: الآمال والتحديات" عُقِدت في العاصمة المغربية الرباط، الأربعاء، النظام الجزائري باعتباره أكبر حجر عثرة يقف أمام حل معضلة وأزمة بناء اتحاد المغرب العربي، وتحقيق اندماج مغاربي حقيقي، الذي بقي حلمًا عصيًا على التحقق، بسبب تضخم الأزمة بين المغرب والجزائر في ملف الصحراء المغربية من جهة ومن جهة أخرى بسبب التوتر والاضطراب الذي تعرفه المنطقة من الناحية الأمنية.
وأجمع كل من وزير الخارجية المغربي السابق القيادي في الحزب الحاكم سعد الدين العثماني والسفير المغربي السابق القيادي في حزب "الاتحاد الاشتراكي" المعارض محمد الخصاصي، على أنَّ العائق الكبير الذي يقف أمام انفراج أفق بناء اتحاد المغرب العربي تنفيذًا لمعاهدات "مراكش"
و"طنجة" الذي يوصي بقيام هذا الإتحاد، هو الجزائر.
واتهم الدبلوماسيان المغربيان، دولة الجزائر بالإمعان في عرقلة خطوة بناء الاتحاد المغاربي، كونها رفضت وعرقلت الكثير من المبادرات، داعيان إلى إقرار انتخاب مجلس شورى البرلمان العربي بالانتخاب العام المباشر من قبل جميع شعوب المنطقة، وليس بالتعيين كما هو جار به العمل حاليًا، معتبرًا أنَّ بعض البرلمانات المغاربية تكون مفبركة في كثير من الأحيان، ما يعني أنَّها لا تعكس الإرادة الشعبية الحقيقية لدول المنطقة.
وأكد العثماني أنَّ أخطر تحدٍ يواجه بناء اتحاد المغرب العربي هو التحدي الديمقراطي، مشدّدًا على أنَّ التطرف الواقع في المنطقة يحدث بسبب الظلم والاستبداد والقمع البوليسي الذي تمارسه بعض الأنَّظمة في المنطقة.
وأبرز أنَّ بعض الأنَّظمة في المنطقة "استبدادية وبوليسية" وتحتضن وتغذي التطرف، في إشارة إلى النظام العسكري الجزائري، مضيفًا أنَّ التحدي الديمقراطي يُضاف إلى التحدي الأمني والاقتصادي الذي تواجهه المنطقة المغربية.
وشدَّد العثماني على أنَّه لن يكون لاتحاد المغرب العربي أي مستقبل إذا لم تنخرط جميع الأنَّظمة المغاربية بأقطارها الخمسة: المغرب والجزائر وتونس وليبيا وموريتانيا، في تبني الخيار الديمقراطي الحقيقي، مشيرًا إلى أنَّ المغرب وتونس شرعت في نهج هذا الخيار الذي لا يجب أنَّ يتراجع إلى الوراء.
وأضاف أنَّه عندما تكون الديمقراطية إطارًا عامًا يحكم بناء اتحاد المغرب العربي عندها كل من سيرفض تطبيق الديمقراطية الداخلية سيكون مصيره التهميش، معتبرًا أنَّ الديمقراطية العقبة الأساس وستبقى، موضحًا أنَّ هناك عقبات أخرى غير الديمقراطية تعترض بناء الاتحاد.
وتابع "أنَّ الأدوار التي يمكن أنَّ تقدّمها الأحزاب في المنطقة المغاربية والمجتمع المدني مهم لكن لن يحقق أي حلم لأنَّ سلطته في بناء الاتحاد محدودة جدًا".
وأبرز العثماني، أنَّه أمام بناء الاتحاد سيناريوهان إما الاستمرار في الجمود القائم الآن أو التقدم في تطبيق ميثاق الاتحاد وتوفير شروط الاندماج المغاربي، ورجح العثماني استمرار السيناريو الأول، معتبرًا أنَّ كل المؤشرات تؤكد أنَّ السيناريو الأول سيستمر.
وأشار إلى أنَّ كل أدوات تفعيل الاتحاد موجودة، سواء على المستوى الفلاحي وعلى مستوى الطريق السيار المغاربي الذي يعتبر شبه نهائي الآن وعلى مستوى الاستثمارات في كل القطاعات التي تعتبر ناضجة الآن، قائلًا "أنَّ الشرط السياسي هو الذي أوقف كل شيء وعطل الحلم".
وأفاد العثماني بأنَّ الحرب الباردة القديمة لا تزال مؤثرة على علاقة المغرب والجزائر في ملف الصحراء ولذلك تصر كوريا الشمالية وكوبا وبعض الدول التي كانت تنتمي إلى المعسكر الشرقي على استمرارها في الاعتراف بما سماها جمهورية البوليساريو، بالنظر إلى أنَّ الجزائر كانت تنتمي إلى المعسكر الشرقي فيما كانت المغرب تنتمي إلى المعسكر الغربي.
وبدوره اعتبر الخصاصي، أنَّ الاتحاد لن يكون له وجود إلا عندما يغادر جيل الستينات مواقع القرار السياسي في الجزائر، مضيفًا "نحن أمام عرقلة حقيقية للجزائر بسبب الصحراء"، متهمًا بعض العناصر في السلطة الجزائرية بعرقلة بناء اتحاد المغرب العربي وليس كل المسؤولين الجزائريين.
ولفت إلى أنَّ سياسة الجزائر المغاربية المتأرجحة هي التي تفشل قيام اندماج مغاربي حقيقي، مشيرًا إلى أنَّه بعد العام 1994 بعد هيمنة النخبة العسكرية على الحكم في الجزائر تراجع الحلم العربي بإقامة اتحاد مغاربي الذي أسست له حركات التحرر المغاربية إبان الثورة على المستعمر في المنطقة.
واتهم الخصاصي، دولة الجزائر بكونها تمارس سياسة عدوانية، بدليل أنَّها تتسابق نحو التسلح الذي بلغت قيمته 10 مليارات دولار للأسلحة في العام 2013، وهو ما اعتبره المتحدث بأنَّ هذا التسلح لا علاقة له بمحاربة التطرف بقدر ما له علاقة بقضية الصحراء.
واستدرك بالقول "أنَّه ليس كل الجزائريين سواء كانوا أحزابًا أو رجال سلطة متفقين مع السياسية التي ينهجها النظام الجزائري اتجاه الاندماج المغاربي واتجاه النزاع القائم حول الصحراء بين المغرب والجزائر".
واعتبر أنَّ الإطار العربي الإسلامي هو الموحد الرئيسي للاتحاد، لكن هناك محدد موضوعي يجب أنَّ يتأسس عليه الاتحاد وهو إجماع مؤسسات دولية على ضرورة انخراط الدول المغاربية في رهان التنمية في المنطقة من خلال الاندماج المغاربي، بالنظر إلى أنَّ الأقطار العربية الخمسة تألف من 5 ملايين ونصف مساحة جغرافية وحوالي 100 مليون مستهلك وهو يعتبر سوقا مهمًا.
وتابع "كما يتوفر على ناتج داخلي خام في حدود 400 مليار دولار"، مشيرًا إلى أنَّ هذا الرقم قابل للتطور أكثر مع الاندماج المغاربي، مضيفًا أنَّ التجارة البينية بين الأقطار لا تتجاوز 3 في المائة حاليًا في الوقت الذي تجاوزت في أوروبا 60 في المائة، وفي تجمع الساحل الإفريقي 19 في المائة.
وشدَّد الدبلوماسي المغربي على أنَّ المنطقة المغاربة مع قيام اتحاد مغرب عربي ستعرف نسبة نمو تناهز 6 في المائة لكل قطر، الأمر الذي سيمكن من خلق أزيد من 40 ألف منصب عمل لكل قطر كل سنة.
وحذر من أنَّ تتحول المنطقة المغاربية إلى مركز الشبكات المتطرفة، كما تفيد بذلك تقارير استخباراتية دولية، لافتًا إلى أنَّ هذا المعطى أصبح توجهًا حقيقيًا للمنظمات الإرهابية، مشيرًا إلى أنَّ جميع أقطار الاتحاد الخمسة تواجه مدًا متطرفًا خطيرًا، معتبرًا أنَّ تحول المنظمات المتطرفة إلى هذه المنطقة يعتبر استراتيجيًا بعدما استنفذت بعض مناطق صناعة التطرف أغراضها كأفغانستان ودول أخرى، قائلًا "إنَّ هذا التحقيق يستدعي وجود تنسيق بين هذه الأقطار".
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر