لم تعد ظاهرة تعاطي المواد المخدرة تقتصر فقط على البالغين والشباب، بل تجاوزت صفوف القاصرين في المدينة الحمراء، التي أصبحت بدورها تعاني من ظواهر اجتماعية عدة، تعد هذه أصعبها وأخطرها؛ إذ انتشرت بوتيرة سريعة، وقد تصادف وأنت في طريقك ثلة من القاصرين الذين تتراوح أعمارهم بين 13 و16 عامًا وهم يتعاطون مختلف أنواع المواد المخدرة.
وهو ما يتطلب إجراءات عاجلة على المستويات كافة من أجل إنقاذ هذه الفئة الفتية الصغيرة، والتوعية بأهمية ممارسة مختلف الأنشطة الترفيهية والرياضية بدلًا من التسكع في مواقف السيارات وعند المحطات الطرقية وفي الشوارع من أجل تعاطي المواد المخدرة التي تؤدي بأغلبهم إلى الهلاك والدمار، والتي تساهم في إنتاج مجموعة من الأشخاص الفاشلين في مناحي الحياة كافة.
وللخوض في هذا الموضوع ورصد مختلف المواقف والأسباب التي دفعت هؤلاء إلى اختيار هذا العالم، أجرى "المغرب اليوم" هذا التحقيق لمعرفة مدى الإهمال والإقصاء الذي يعيشونه ولرصد السبب الذي يجعل المجتمع غائبًا عن شباب الغد والمستقبل.
أكد خالد، 17 عامًا، تلميذ ثانوي: تعاطي المواد المخدرة أصبح شيئًا عاديًا في صفوف المراهقين ولم يعد شيئًا يمنع الإقبال على هذه الأشياء لاسيما أننا نجدها دون عناء، وتأتينا أينما كنا ونحصل عليها متى أردنا ذلك، صحيح أنها خطيرة وتودي بحياة الإنسان، إلا أنها تبقى الملاذ الوحيد الذي ننسى من خلاله همومنا ومشاكلنا وكل معاناتنا، فبمجرد تعاطيها نسافر إلى عالم من الخيال بعيدًا عن الهموم ومشاكل البيت ومشاكل المدرسة، أعاني من انفصال والداي وأعيش متنقلاً بينهما، وسط كم هائل من المشاكل والصراعات التي تجعلني أدخل في دوامة أرغب في الخروج منها بأيّة طريقة، ولم أجد أمامي سوى السجائر وتعاطي الحشيش حتى أبتعد عن كل هذه الصراعات التي قد تدفعني إلى الانتحار، الذي فكرت فيه كثيرًا لأضع حدًا لهذه المعاناة.
وأشار إلى أن "الحصول على المواد المخدرة والسجائر وغيرها من الأمور التي تجعلني أشعر بمتعة الحياة يتطلب الكثير من المال، لذلك أحاول أن أتدبر أمري بممارسة الكثير من الأمور حتى وإن لم تكن قانونية، أحيانًا أعمل في البناء أو بيع قطع الحديد أو البحث في حاويات القمامة بحثًا عن مختلف الأشياء التي تصلح للبيع من أجل الحصول على ما أريد، كما أني أحصل على المال من أمي وأبي أحيانًا حينما يرغبان في التخلص مني".
ومحمد، 12 عامًا، يتعاطى مخدرًا من نوع آخر؛ إذ يضع كيسًا بلاستيكيًا ويصب داخله مادة "التيبا" الخطيرة والمغيبة للعقل لاستنشاقها، وصرَّح لـ"المغرب اليوم": أنا لا أعرف والداي، كنت أعيش منذ مدة في دار الرعاية إلا إنني هربت وتوجهت إلى الشارع، عملت في مختلف الحِرف التقليدية، ولا أعرف متى أصبحت مدخنًا، لأنتقل فيما بعد أنا وأحد أصدقائي إلى تجربة هذا الشيء الذي وجدنا فيه ضالتنا، نسافر عبر العالم، نزور مختلف الدول بقنينة واحدة لا يتعدى ثمنها 5 دراهم، وأحصل على المال من عملي في بيع المناديل الورقية وأحيانًا أعمل في مواقف السيارات، كما أذهب إلى سوق الجملة لأعمل حمّالا مع أقراني.
ومنير، 15 عامًا، أكد: دخلت هذا العالم لأهرب من عالمي، تركت الدراسة وأنا في العاشرة من عمري، بعد وفاة أمي تزوج والدي امرأة أخرى وكانت تعاملني بقسوة كبيرة، وكانت حالتنا المادية ضعيفة جدًا، ما جعلني أخرج إلى العمل في الـ12 عامًا، الأمر الذي جعلني أهرب من المنزل لأجد الشارع أمامي، وبمساعدة أحد الأشخاص وجدت عملاً في محطة باب دكالة الطرقية، هنا بدأت قصتي مع تعاطي المواد المخدرة؛ إذ بدأت بالسجائر العادية ثم مخدر الشيرا، ثم انتقلت إلى تعاطي حبوب الهلوسة ومنشطات الجهاز العصبي المتنوعة مثل "الفنيدة "، و"شكيليطة"، و"السخونة"، و"خرشيشة"، و"الكالة"، و"المعجون"، و"لمبا حمرا"، ثم إلى القرش الذهبي الذي يعتبر من أكثر المواد التي تجعل الشخص يغيب عن هذا العالم وأبهظها ثمنًا.
ويضيف: كنت في البداية أتلقاها بالمجان وفور إدماني تركت لأتخبط وسط معاناة جديدة دخلت على إثرها المستشفى، أعمل نهارًا في المحطة وفي مختلف حافلات النقل من نظافة وغسيل وغيرها لأتحول إلى شخص آخر خلال الليل برفقة المنحرفين، ورغم أني غير راض على هذه الحالة إلا أنه لا خيار لدي، سأبقى هكذا إلى أن أموت دون التفاتة من أحد.
وأكملت أربعينية وأم لطفلين: لقد أدت المواد المخدرة إلى تدمير حياتي وذلك بعد وفاة ابني سعد، البالغ من العمر 16 عامًا، إثر تعاطيه تلك المواد، إذ تعرف على مجموعة من المنحرفين وأصبح يرافقهم، ولم نعد نراه إلا في ساعات متأخرة من الليل، ثم تغيرت طباعه وأحواله وصار شخصًا عصبيًا ودائم الصراخ ويغضب من أبسط الأشياء، كما انه لم يعد يرغب في الذهاب إلى المدرسة، ورغم العقاب المشدد والضرب والعنف الذي كان يتلقاه من والده، إلا أن أحواله ازدادت سوءًا وتطور الأمر، وبدأت الأغراض والنقود تختفي من المنزل، ساورتني الشكوك ما جعلني أشدد عليه المراقبة لاكتشف أنه الفاعل.
وأضافت: أصبت بصدمة كبيرة عندما أخبرني أحد الجيران بأنه يتعاطى المواد المخدرة، هنا بدأت المعاناة الحقيقية لاسيما بعد أن اكتشف والده الأمر، فترك المنزل واختفى عن الأنظار، حاولت إرجاعه إلى المنزل إلا أن والده كان يرفض ذلك، حتى تم العثور عليه جثة هامدة بعد ليلية خمرية تعاطى خلالها كمية كبيرة من مخدر الشيرا، نقلت ابني إلى البيت وبكيت فوق جثته بحرقة لكن جمرة العذاب لم تنطفئ رغم مرور 5 سنوات على وفاته، فالمخدرات دمرت حياتي وجعلت مني امرأة دون إحساس أعيش دون هدف.
وفي هذا الصدد، أكد أستاذ علم الاجتماع، عبدالرحيم الدردوش، لـ"المغرب اليوم" أن ظاهرة تعاطي المواد المخدرة تواصل انتشارها بشكل غير مسبوق رغم المجودات التي تقوم بها الأجهزة الأمنية في محاربة هذه الآفة, لكنها تظل غير كافية بسبب قلة الموارد البشرية وضعف الإمكانات المادية وغياب التنسيق بين المتدخلين بسبب تراجع الاستراتيجية الوطنية لمكافحة المواد المخدرة، مقارنة مع تضخم حجم الظاهرة وتوسع انتشارها والفئة المستهدفة منها، إضافة إلى قوة وخطورة مروجي المواد السامة، والخطير في الأمر أنها لم تعد تقتصر فقط على صفوف البالغين، بل تقتحم المدارس الإعدادية والثانوية وتحولت من فئات العشرينات إلى فئة الصغار الأقل من 14 عامًا.
وأضاف عبدالرحيم: هذه الظاهرة انتشرت بسرعة البرق ما جعل الوضع يصبح مخيفًا، وينشر حالة من العرب والفزع في صفوف الأسر، لاسيما في السنوات الأخيرة؛ إذ تحولت هذه الآفة من مجرد ظاهرة اجتماعية إلى كارثة تشق طريقها في حياة الأطفال والقاصرين، مما أدى إلى ارتفاع نسبة الجرائم في المجتمع من السرقة والاعتداءات والاغتصاب والقتل والنصب وغيرها، ولن تكون هناك نظرة إيجابية لشباب المستقبل الذي يبحث عن الملذات عبر المواد المخدرة التي تجعله يرى الحياة بلون وردي دون تكلفة أو عناء بدني، غافلين عن أضرارها الصحية المؤدية إلى نتائج وخيمة لا تحمد عقباها.
وأكد أن معظم هذه المواد المخدرة تمنح شعورًا مزيفًا بالقوة والتفوق على الغير وبعضها الآخر قد يصل إلى دخول المتعاطي في حالة جنون مؤقت تتضمن الهذيان، والهلوسة، والارتباك، والخروج عن التصرفات الطبيعية، والإصابة بنوبات القلب والدماغ، فضلاً عن الميل للسرقة والانحرافات الجنسية والشذوذ، وتنتهي غالبًا بالجنون أو الانتحار الذي أصبح ينتشر بشكل كبير أيضًا خلال السنوات الأخيرة، إنها ظاهرة الجميع مسؤول عنها، بدءً من السلطات المحلية والمصالح الأمنية مرورًا بجمعيات المجتمع المدني والأفراد وحتى الأسرة، التي تعتبر العمود الفقري لهذا المجتمع، الجميع مطالب بتكثيف الجهود من أجل القضاء على آفة ستدمر المجتمعات وستؤدي إلى إنتاج فاشل في الثروة البشرية.
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر