الرباط - محمد عبيد
حاضر خبراء واكاديميون مغاربة، ليلة الأحد / الإثنين، في ندوة علمية بالرباط، حول موضوع :"الأحزاب السياسية بين التقليد والتحديث"، احتضنها المركز العلمي العربي للأبحاث والدراسات الإنسانية، وأجمعوا خلال الندوة بان "اختلالات الممارسة " الحزبية سببها عوامل ذاتية وموضوعية".
الندوة التي شارك فيها
كل من الأستاذ الجامعي، ونائب الأمين العام لحزب "اليسار الاشتراكي الموحد" محمد الساسي، و الاستاذ الجامعي في العلوم السياسية عبد الحي المودن، والخبيرة في القانون الدستوري فوزية الأبيض، والاستاذ الجامعي المتخصص في الأحزاب السياسية عبد السلام الطويل، وقد ركزت الكلمات على الخطاب السياسي الراهن للأحزاب السياسية البارزة في المشهد المغربي.
و اعتبر عبد الحي المودن أن السؤال الأساسي الذي يجب أن يتصدر التفكير ليس من يحتكر الحداثة؟ ولكن السؤال ماذا نفعل عندما نختلف وكيف ندبر هذا الاختلاف؟، لأن تدبير الاختلاف واقع حداثي جديد، وترسخ بشكل كبير بعد أحداث الربيع العربي وتواجد المجتمع لأول مرة ليس في مواجهة الدولة فقط بل في مواجهة المجتمع وفاعليه لبعضهم البعض.
ودعا المحاضر إلى ضرورة تفادي تدخلات قوى من خارج المجتمع في توجيه دفة الأمور حيث اعتبر أن الصراعات الدموية التي تشهدها سوريا والتشنجات التي تعيشها مصر سببها وجود قوى لا تريد أن تعترف بشرعية ما يقرره المجتمع.
وفي السياق ذاته اعتبر عبد الحي المودن أن المجتمع لم يكن مؤهلا بالشكل الكافي ليدبر اختلافاته، وهذا ما يفسر الصراعات الدموية التي انتهى إليها الربيع العربي بعدد من البلدان والصراعات المتشنجة بمصر. وأضاف أن واقع غياب الأجوبة ذات البعد الشامل أصبح واقعا جديا يمكن أن نسميه بواقع مابعد حداثي حيث تتشتت وتتنوع الإشكالات، وليس لدينا اطروحات كبرى بفعل وجود واقع تعددي، هذا الواقع التعددي يدخلنا في صلب التعددية، ولا يمكن معالجته في المغرب إلا من خلال الاعتراف بمشروعية هذا التعدد .
وفي سياق فرضياته لتدبير الاختلاف، قال المودن أننا لا نملك جوابا نهائيا خاصة وأن تجربة الانتخابات واعتبارالأصوات الفاصل تعرف صعوبات من خلال النموذج المصري بسبب وجود قوة خارج التعبير السياسي للمجتمع والتي تعتبر أن صناديق الاقتراع ليست هي المؤهلة للحسم في الأمر، ليخلص إلى " أن تدخل سلطة من خارج المجتمع يعني فشل الديمقراطية"
وفي معرض تحديده لمعالم سياسة التحديث سواء بالنسبة للمنظومة السياسية المغربية في عموميتها أو بالنسبة للفاعل الحزبي قال المحاضر أنه من الناحية النظرية فالحزب السياسي هو شكل تنظيمي حديث وعصري. لكن إلى أي حد يستجيب الحزب السياسي لماهيته الأصلية وإلى أي حد تجرفه المحددات التقليدية؟ وللجواب عن هذا السؤال أقر المودن أن التفكير في طبيعة النظام السياسي المغربي والتي تقسم بين دولة تقليدية وأحزاب حداثية تواجهه العديد من الإشكاليات.
ولعل الإشكالية الأولى، يقول المحاضر، تتمثل في أن الواقع يثبت أنه وبرغم استمرار التحولات الحداثية من قبيل التمدن وانتشار التعليم وتزايد الطبقة الوسطى، فإن المؤسسة الملكية تمكنت من ترسيخ نفسها فيما يستمر تراجع هذه الأحزاب. إنه السؤال الذي لا زال يواجه الفكر الحداثي، يؤكد المحاضر، والجواب أن المخزن رسخ فكرة التقليد وعلى رأسها القبيلة الانقسامية والفكر التقليدي وإعادة ترسيخ التقاليد والمؤسسات الديينية وتقوية المؤسسات التقليدية .
أما الإشكال الثاني فيتعلق بطبيعة الأسباب التي أدت إلى ضعف الاحزاب الحداثية واستمرار انشقاقه وتفتت قوتها وضعف وجودها المجتمي. وهنا شدد المتدخل على ضرورة إعادة قراءة الواقع لأن الأحداث السياسية تتطور بشكل بالغ السرعة. وفي هذا السياق أشار المودن إلى أن واقع ما بعد الربيع العربي أفرز تراجع الصراع مابين الأحزاب والدولة لفائدة ظهور الأحزاب الدينية. وفي هذا الصدد يعتبر المودن أن تراكم الابحاث أبرزت إجابات مختلفة ولا تشير بالضرورة علامات على كون هذه الاحزاب الدينية تقليدية بل تحمل علامات حداثية على عكس ما كان سائدا من أفكار تعتبر الحداثة احتكار على بعض الاحزاب دونها.
من جهته، الاستاذ محمد الساسي رأى أن الأحزاب المغربية تعرف تحديثا تنظيميا لا يمكن إنكاره، لكنها بالمقابل تعرف تراجعا للحداثة السياسية بما تعنيه من مركزية الإنسان والارتكان لإرادته واعتبار التعاقد الاجتماعي اساس تدبير الحكم وحل مشاكل الناس.
وقال محمد الساسي أستاذ العلوم السياسية بالرباط في ندوة امس السبت أن التحديث التنظيمي واقعة لا يمكن إنكارها في الحياة الحزبية المغربية نظرا للتطورات التنظيمية التي شهدتها الاحزاب المغربية بدون استثناء. مضيفا أن هذا التحديث يحمل العديد من المفارقات ولم ينكر في الوقت ذاته وجود تحديث تنظيمي على مستوى الدولة أيضا.
وحول مناحي هذا التطور التنظيمي قال عضو المكتب السيسي للحزب الاشتراكي الموحد أن ماضي الممارسات الحزبية التي كانت تتسم بالمنحى الرئاسي وبتحكم الجهاز التنفيذي وتراكم المسؤوليات الحزبية، ورفض الاختلاف،وتعطيل تداول النخب وغيرها لم يعد ممكنا. وتعود أسباب هذا التحديث إلى ،ماسماه الساسي، قوانين الطبيعة والموت الذي غيب قادة ما يسمى الشرعية التاريخية بالإضافة إلى ضغط القاعدة ،وانتظام الانتخابات التي تشكل لحظة حرية، بالإضافة إلى ظهور وافدين جدد و صراع المصالح بعد أن صارت المهام العمومية مدرة للدخل،و كثرة الاحزاب وما رافقه من نشوء التنافسية. ولذلك يقول الساسي "لاوجود لحزب قادر على تجاوز المد العام".
وفي هذا الصدد ميز الساسي بين احزاب الاعيان واحزاب المناضلين قبل ان يستطرد لكن المفارقة هو ان احزاب الاعيان اصبحت تستعير الأليات الديمقراطية كما ان احزاب المناضلين صارت تستعير اليات الاعيان. وسجل الساسي من جهة ااخرى مفارقة التحديث التنظيمي والتي تتمثل في ان الدولة وعبر أداتها الاكثر صلابة هي التي أرغمت الاحزاب على تحديث تنظيماتها إذ أن "التحديث التنظيمي ناتج عن مباردة مخزنية تنظيمية، فوزارة الداخلية هي التي حررت قانون الاحزاب، وأقرت ضروة التدبير الديمقراطي للاحزاب و الاختيار الديمقراطي للمرشحين وألزمت الجميع بضرورة التوفر على برنامج مكتوب ".
وبمقابل هذا التحديث التنظيمي سجل المحاضر تراجع الحداثة السياسية بما تعنيه من مركزية الإنسان على المستوى الفلسفي والتعاقد الاجتماعي على المستوى السياسي. وأرجع الساسي تراجع الحداثة السياسية إلى كونه وقعت بطريقة قسرية. وقال في هذا الصدد أن التحديث أمر واقع اما الحداثة السياسية بما تعنيه من تتثمين لإرادة الإنسان والعقل وإرادته و الشرعية الصاعدة إلى الأعلى وسلطان الإرادة، والعقد شريعة المتعاقدين.
وأضاف في هذا الصدد أن لا حداثة سياسية دون أن يكون مصدر القانون هو التعاقد، والإيمان بان البشر قادرون على حل مشاكلهم بنفسهم عن طريق العقد الاجتماعي الذي يمثل إرادة الشعوب التي تشكل مناط سلطة الحكم. هذه الأسس هي التي تسمح بالانتقال إلى دولة المؤسسات من أجل رفض السلطة المطلقة، بحيث يجب أن تنتصب امام كل سلطة سلطة مضادة. وفي سياق مفارقات الحياة الحزبية المغربية، سجل الساسي أندحار الحداثة السياسية لدى عدد من الاحزاب اليسارية حيث أن " أضعف المذكرات الدستورية هي المذكرات التي قدمتها الاحزاب اليسارية وهو اندحار للحداثة وقبول للوصاية والطاعة "، يقول الساسي.
بدوره قال عبد السلام الطويل : أن حزب العدالة والتنيمة يقبل فكرة العلمانية الجزئية وان موقفه من العلمانية يرتكز على اجتهادات محمد عابد الجابري وعبد الوهاب المسيري.
واضاف الباحث في العلوم السياسية في ذات الندوة أن "الحزب يرفض فكرة العلمانية الصلبة ويقبل العلمانية الجزئية لذلك يمكن القول بأن هناك بعد علماني في موقف الحزب في حين يتم التحفظ على الخلفيات المرجعية المادية لمشاريع التحديث.وهكذا يضيف المحاضر، نجد في الادبيات المؤسسة للحزب وعيا بمختلف المدارس الكبرى للعلمانية حيث يرفضون النموذج الجاكوبي الفرنسي ويتفهمون النموذج الأكلوساكسوني الأمريكي".
واعتبر عبد السلام الطويل أن موقف العدالة والتنمية من عدد من القضايا ومن بينها قضية الملكية لم يكن وليد اللحظة، بل تأسس عبر مجهود كبير بذلته مجموعة من النخب للتمييز بين العرش والجالس على العرش. وأضاف الطويل" أن العدالة والتنمية لا يشكل خطرا أو تحديا بل "كان بردا وسلاما على الجميع".
وفي إطار تحليله لنجاح الحزب في التحول إلى قوة سياسية أساسية قال الطويل أن التنظيم استفاد من مألات الحركة الإسلامية في السودان، و سوريا ومصر والجزائر كما أن قوة اليسار الإيديولوجية فرضت على الحزب مراجعات كثيرة. غير أن ما نعانيه فعلا يقول الطويل، هو غياب بدائل حقيقية حيث تظل الفاعلية للمؤسسة الملكية من خلال مبادراتها.
وفي هذا السياق قال المحاضر لا يمكن للأحزاب السياسية أن تنعزل عن الشمولية الاجتماعية في كل سياقها .لأن الاحزاب تظل خاضعة لنفس الميكانيزمات المجتمعية الموسومة بالتراثية والحداثية في نفس الوقت خاصة وان فرض التحديث على المجتمع المغربي تم بقوة الشروط الموضوعية.
وحول الشروط الاساسية اللازم توفرها في الحزب السياسي قال الطويل انه" لا يمكن لأي حزب سياسي أن يقدم نفسه كنموذج إلا إذا حاز على نصابين: أن ينجح في معالجة إشكالية الحداثة والموقف من التراث، وأن يؤسس لحد أدنى من الاستقلالية. لكن حزبا سياسيا عاجز أن ينجح جريدة يومية أشك في إمكانية نجاحه في تدبير بلد، لأن الحزب يجب أن يكون محضنة لفكرة الانتاج وفكرة الفعالية والإبداعية ،ولا يجب أن يكون مشجبا للسلطة تراهن عليه لحل الأزمات.
وفي تحليله لبنية الأحزاب المغربية توقف الطويل عند ما سماه "معوقات البنية الاجتماعية التقليدية، ومعوقات النشاة، في كنف الجماعة الوطنية. واعتبر في هذا السياق أن الانقسام العلماني الديني معركة خاسرة ولن تفضي إلا إلى التشرذم ، كما تحدث عن ما سماه "عائق الوصم" والذي يعني إطلاق التصنيفات الجاهزة. وأشار إلى أن الصراع الوجودي مع النظام فرض تبني سياسة الاختراق والإفساد وما ترتب عن ذلك من جماعات طفيلية الامر الذي عطل مفعول شرعية الأداء الحزبي. لم يتردد المحاضر في التحذير من الدخول في سجالات ذات طابع هوياتي لا يمكن حسمها بصراع وسجالات.
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر