تونس - أسماء خليفة
تتواصل في تونس مناقشة فصول الدّستور الجديد في انتظار ختمه والمصادقة عليه من قبل رئيس الحكومة.
وشهدت مناقشة فصول هذا الدّستور تجاذبات ونقاشات بلغت أحيانا حد التلاسن بين النواب والكتل كما تمّ حتى الآن تهديد ثلاث نوّاب بالقتل في علاقة مباشرة بالنقاش الدائر تحت قبّة البرلمان لكتابة الدستور الجديد.
ومثّل المجتمع المدني العين الرقيبة التي رافقت نقاشات اللجان الأساسية أثناء صياغة فصول هذا الدستور والتي تتابع بانتباه شديد مناقشة هذه الفصول في الجلسات العامة، كما تلعب منظمات المجتمع المدني دورا في الضغط تجاه تعديل بعض المقترحات، وبغية صياغة فصول توافقيّة بعد ترحيل الفصول الخلافية نحو لجنة التوافقات، هذا الدور يتم بإصدار البيانات الرسمية وبحشد الشارع وبالتفاعل بين شبكة المجتمع المدني بغية الضغط تجاه حسم القضايا الأساسية في الدستور بغية ضمان حقوق الإنسان والحريات الفردية والعامة وحماية الحق في المساواة وضمان حرية التعبير وحرية الضمير في علاقتها بحرية التفكير وحرية التديّن. فيما يلي مواقف هذه المنظمات تجاه ما تمّ المصادقة عليه حتى الآن من فصول وهي مواقف فيها تفاؤل منقوص.
إذ أبدى أغلب المتحدثين تفاؤلهم تجاه تطور الدستور الجديد مقارنة بنسخته الأولى التي أثير الجدل حولها بخصوص اعتماد الشريعة كمرجعية والتنصيص على التكامل بين الجنسين وكذلك تجريم المقدسات لكن هذا التفاؤل ليس مطلقا إذ ثمّة من النقائص ما ينغّص فرحة المجتمع المدني بهذا الدستور.
واعتبر خبير في القانون الدستوري ورئيس هيئة تحقيق أهداف الثورة سابقا عياض بن عاشور أن الدستور الجديد يحقق مجموعة من المكاسب أولها ضمان مدنيّة الدولة ما بعد إلغاء الفصل 141 وكذلك بعث محكمة دستوري كمكسب سيتولى مراقب دستورية القوانين.
وأكد بن عاشور أن حرية الضمير مكسبا للتونسيين وهو أسبقية عربيّة إذ تمثل حرية الضمير من الحريات الأساسية في النظام الديمقراطي وهي معيار التفرقة بين الدولة المدنية المؤسسة على سيادة الشعب وعلوية القانون والدولة الدينية التي هي من الأنماط الأساسية للنظم الاستبدادية.
وأبدى بن عاشور تمسكه بموقفه الرافض للفصل 38 الذي، يؤكد على أهمية لعب الدولة دورا لتجذير الهوية العربية الإسلامية لدى الناشئة قائلا " لدي تحفظ كبير على هذا الفصل دون أن أشك في مبدأ الهوية العربية الإسلامية في بلدنا فحضارتنا ندافع عليها لكن أن نلغّم الدستور بألفاظ حمّالة للمعاني هذا أمر يدعونا للتحفظ بشأن هذا الفصل".
وبخصوص أزمة السلطة القضائية التي أثارها الفصل 103، قال بن عاشور إنّ "القضاة والمجتمع المدني والرأي العام نجحوا في جعل هذا الفصل توافقيّا ليتم إدخال تحسينات عن تركيبة المجلس الأعلى للقضاء وإخراج النيابة العمومية من قبضة السياسة الجزائية للحكومة لتصبح هيكلا يعمل في إطار السياسة الجزائية للدولة".
وأبدت خبيرة القانون الدستوري حفيظة شقير تفاؤلها بخصوص إحداث المحكمة الدستورية منتقدة ما جاء في الفصل 20 الذي ينص على أن "المواطنين والمواطنات متساوون في الحقوق والواجبات وهم سواء أمام القانون من غير تمييز، تضمن الدولة للمواطنين والمواطنات الحقوق والحريات الفردية والعامّة، وتهيئ لهم أسباب العيش الكريم". وأوضحت أن الفصل المذكور لم ينص على مفهوم التمييز.
وانتقدت الفصل 21 الذي ينص على أن "الحق في الحياة مقدس لا يجوز المساس به إلا في حالات قصوى يضبطها القانون"، مشيرة إلى أنه الفصل بهذه الصيغة يترك مجالا لتقييد الحقوق، كما انتقدت الفصل 47 الذي ينص على أن "تحمي الدولة ذوي الإعاقة من كل تمييز، لكل مواطن ذي إعاقة الحق في الانتفاع حسب طبيعة إعاقته بكل التدابير التي تمكنه من الاندماج الكامل في المجتمع، وعلى الدولة اتخاذ الإجراءات الضرورية كافة لتحقيق ذلك".
وأوضحت شقير أن هذا الفصل معوّما ولا يضمن حقوق المعاقين.
ودعا عضو الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان محمد صالح الخريجي إلى دسترة عهد تونس للحقوق والحريات الذي أشرف على إعداده المعهد العربي لحقوق الإنسان بمساهمة خبراء في القانون الدستوري منذ حوالي سنة وتم فيه الاعتماد على الإرث الحقوقي لتونس من خلال دستور عهد الأمان ودستور ما بعد الاستقلال قائلا "هذا العهد مثلما أتضح للجميع هو ملخص لكل ما هو نصوص كونيّة وهو تجسيد للشخصية التونسية".
كما دعا إلى العمل على تكريس عهد تونس للحقوق والحريات باعتباره مرحلة تتويج للمسار التونسي خاصة وأنه عهد مدعوم بتوقيعات عشرات الآلاف من التونسيين.
وقال مدير المعهد العربي لحقوق الإنسان عبد الباسط بلحسن إن الدستور الجديد شهد تطورا مقارنة بنسخته الأولى وذلك بالرغم من النقائص التي يحملها لذلك "نريد أن نؤكد على دسترة عهد تونس لأنه أداتنا لتطوير الدستور وإخراجه في شكل يؤدي إلى حماية حقوق الإنسان".
وأضاف بلحسن أنّ مجهودات المجتمع المدني والخبراء أسست لثقافة جديدة تتجاوز الدستور جعلت المجتمع المدني قوة اقتراح.
وأوضح عضو الشبكة الأورومتوسطية لحقوق الإنسان رامي الخويلي أهمية دسترة عهد تونس للحقوق والحريات لأنه نتاج عمل مشترك بين المنظمات ولأنه عهد توافقي من خلال توقيعات المواطنين عليه.
كما يجب التنصيص على المساواة بين المواطنين في القانون لأن التنصيص على المساواة بينهم أمام القانون يفتح الباب للتمييز.
وانتقد الفصل 38 باعتباره يؤكد على الهوية في مفهومها الضيق، كما انتقد الخويلي الفصل المتعلق بالأسرة قائلا "ما معنى اعتبار الأسرة خلية أساسية في المجتمع هذا يفتح أسئلة عن حقوق الأفراد وما معنى التزام الدولة بحماية الأسرة هل هذا يعني هذا تقييدا لقانون الطلاق؟".
وأبدت عضوة بجمعية النساء الديمقراطيات نجاة اليعقوبي عدم تفاؤلها بخصوص الدستور التونسي الجديد قائلة "الدستور الجديد فيه ردّة في حقوق النساء والانتصار بخصوص المصادقة على المساواة في الفصل 45 يظل انتصارا وهميا".
وقال عضو منظمة العفو الدولية فرع تونس لطفي عزوز إن حقوق الإنسان لا تُضمن بالنصوص الجميلة بل بتكريس ثقافة حقوق الإنسان ومصطلح السامية في التوطئة يمس من المبادئ الأساسية لكونيّة حقوق الإنسان.
وانتقد عزّوز الاكتفاء بالتنصيص على المساواة بين المواطنين فقط "هل هناك مساواة بخصوص من هم تحت ولاية الدولة واقصد الأجانب؟".
وانتقد الفصل 21 الذي لم يسقط عقوبة الإعدام، مؤكدا أن تركيا والسنغال دولتان مسلمتان ألغتا عقوبة الإعدام وفي تونس تم الإبقاء عليها.
وقال أيضا إنّه لم يتم توضيح حرية التعبير وحرية الضمير في حالة الطوارئ وهل أن حرية نقد الديانات لها ضمانات؟.
ولاحظ لطفي عزوز أنه برغم التحسينات فإن عدم التنصيص على كونية حقوق الإنسان وعدم التنصيص على عهد تونس للحقوق والحريات يترك ثغرات وتساؤلات.
وثمن عضو الاتحاد العام التونسي للشغل نور الدين الشمنڤي التطور الحاصل في الدستور متوجها بانتقاداته تجاه محاولة المس من القطاع العام.
وانتقد الفصل 38 قائلا "نسجل تحفظا كبيرا بشأن هذا الفصل الذي صاغه الوزير السابق للتربية من منطلق إحساسه بأن دولة الاستقلال هددت اللغة العربية، هؤلاء تعاملوا مع تونس وكأنها جسم انبتّ عن هويته وهم يعملون لعودة هذا الجسم المنبت إلى جذوره نقول لهؤلاء لا خوف على هذه الهوية فهي محفوظة".
وانتقد بشدّة إسقاط دسترة المجلس الأعلى للتربية رغم أنه الضمانة، على حد قوله، الوحيدة للنأي بالمؤسسة الدستورية عن التجاذبات الحزبيّة.
واعتبر أن عهد تونس للحقوق والحريات مقوم أساسي لدعم الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ولابد من دسترته.
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر