واشنطن ـ يوسف مكي
أكد مسؤولون أميركيون أن الحكومة الليبية وافقت في الأسابيع الأخيرة ضمنيًا على اثنتين من العمليات الأميركية في البلاد، وذلك وفقًا لكبار المسؤولين الأميركيين، إحداهما للقبض على ناشط بارز ينتمي لتنظيم "القاعدة"، والأخرى تستهدف القبض على زعيم مسلح يشتبه تورطه في تنفيذ هجمات 11 أيلول/ سبتمبر 2012، على البعثة الدبلوماسية الأميركية في بنغازي.
ونجحت القوات الخاصة الأميركية في طرابلس، السبت، في
القبض على زعيم تنظيم "القاعدة" نزيه عبد حمد الرقيعي، في غارة كانت تأمل أميركا الحفاظ على سريتها، ولكن تسرّبت المعلومات إلى وسائل الإعلام، وندد المسؤولون الليبيون تنديدًا قويًا بهذه العملية، وأطلقوا عليها أنها اختطاف، وقالوا إنهم لم يشاركوا فيها بأي دور.
وعلى الرغم من أن توقع المسؤولين الأميركيين بأن الحكومة الليبية سوف تدّعي عدم معرفتها شيئا عن العملية، فإن أخبار الغارة أثارت المخاوف من أن المشتبه فيه في هجمات بنغازي، أحمد أبو ختالة Ahmed Abu Khattala، تلقى الآن بلاغًا بأن الولايات المتحدة لديها القدرة على إجراء عملية في ليبيا.
وليس من الواضح سبب عدم قيام القادة العسكريين الأميركيين بتنفيذ العمليتين في وقت واحد لتجنب هذه المشكلة، وأكد بعض القادة العسكريين أن الاوضاع في ليبيا، السبت، قد لا تكون مناسبة، ولكن رد الفعل العنيف ضد الغارة الثانية يمكن ان يؤدي الى اسقاط حكومة رئيس الوزراء علي زيدان، التي تتأرجح على حافة الانهيار، ولديها القليل من السيطرة على أجزاء واسعة من البلاد، ولا سيما الجزء الشرقي بالقرب من بنغازي.
ورفض المتحدث باسم وزارة الدفاع جورج ليتل التعليق، الثلاثاء، وقال مسؤولون اميركيون إنه على الرغم من أن الحكومة الليبية وافقت ضمنيا على غارة السبت ، الا انها لم تلعب دورا في العملية الفعلية ، ولم يتم إخبارها مسبقا عن موعدها.
وجاءت هذه العملية في توقيت ارسال القوات البحرية الاميركية ذاته في الصومال ، السبت ، والتي فشلت في القبض على زعيم حركة "الشباب" المتشددة ، وتدل عملية طرابلس على أن إدارة أوباما على استعداد لتنفيذ عمليات محفوفة بالمخاطر لمواجهة تهديد "إرهابي" ينتشر في أفريقيا.
وأعلن الرئيس أوباما في مؤتمر صحافي، الثلاثاء "أن أفريقيا واحدة من الأماكن التي ترون فيها تجمع بعض هذه الجماعات، وسوف نواصل ملاحقتهم".
وجاء وعد الرئيس أوباما بعد يوم من احداث 11 أيلول/ سبتمبر 2012 ، بمهاجمة المسؤولين عن هجمات بنغازي ، والتي أسفرت عن مقتل أربعة أميركيين ، وأدى عدم النجاح في تحقيق ذلك حتى الآن، الى تجديد الجمهوريين انتقاداتهم لإدارة اوباما.
وأشاد السيناتور جون ماكين ، وهو جمهوري وواحد من أشرس منتقدي ادارة اوباما في التعامل مع هجوم بنغازي، بعملية القبض على الرقيعي، المعروف أيضًا باسم أبو أنس الليبي، لكنه رفض التكهن بشأن العمليات المستقبلية في ليبيا.
وتم التواصل مع عدد كبير من المسؤولين الدبلوماسيين وفي الجيش الاميركي والقانون والاستخبارات ومسؤولين آخرين في الإدارة للتعليق على هذا المقال، وجميعهم تحدثوا بشرط عدم الكشف عن هويتهم بسبب حساسية المسألة، واحتمال القيام بعمليات عسكرية في المستقبل.
وكانت موافقة الحكومة الليبية ضمنية، وكانت محدودة اكثر بكثير من الاتفاقات السرية التي تمت في السنوات الأخيرة بين الولايات المتحدة والحكومات في باكستان واليمن، وبموجب هذه الترتيبات تم منح الولايات المتحدة سلطة أوسع للقيام بعمليات سرية لقتل المسلحين، على الرغم من أمر أوباما بكبح جماح هذه العمليات.
وأكدت وزير الخارجية الاميركية جون كيري ، في مؤتمر صحافي في بالي، الإثنين، أن الولايات المتحدة تتشاور بانتظام مع الحكومة الليبية "بشأن مجموعة من القضايا الأمنية ومكافحة الإرهاب".
وأوضح كيري أن العملية العسكرية للقبض على الرقيعي كانت قانونية، كما عبر عن امله في ان يدرك العالم أن الولايات المتحدة سوف تفعل كل ما في وسعها بالطرق القانونية والمناسبة من أجل تطبيق القانون وحماية أمننا ".
وبعد شهور من الضغط من قبل المسؤولين الأميركيين، وافقت الحكومة الليبية "منذ بعض الوقت" - أسابيع أو ربما أشهر حتى – على قيام الولايات المتحدة بهذه العمليات ، وذلك وفقا لمسؤول أميركي رفيع المستوى, واضاف انه لم يتم إخبار الحكومة اليبية بموعد الغارة مسبقًا.
وتُعَد موافقة الحكومة الليبية خطوة مهمة إلى الأمام بالنسبة إلى إدارة أوباما ، التي تتعرض لانتقادات من الجمهوريين في الكونغرس، واتهامها بالتحرك ببطء شديد لإلقاء القبض على المشتبه فيهم في بنغازي.
وفي آب/ أغسطس، تم الكشف عن أن الولايات المتحدة قدمت لائحة اتهامات بتورط ختالة في هجمات بنغازي. وقام البنتاغون بإعداد خطط الطوارئ لمدة شهور لتكون على استعداد في حالة امر أوباما بشن عملية عسكرية، وقامت طائرة استطلاع عسكرية أميركية غير مسلحة بالتحليق فوق بنغازي كل يوم تقريبا من اجل جمع المعلومات.
واتضح ان المشتبه فيه يعيش حياته بشكل طبيعي في شرق ليبيا، والتقته وكالات انباء عدة، وكان المشتبه فيه قال العام الماضي، في مقابلة مع صحيفة "نيويورك تايمز"، إنه وصل الى المجمع الأميركي في بنغازي حينما اندلع القتال ، ولكنه لم يلعب أي دور في الهجوم الذي أسفر عن مقتل السفير كريستوفر ستيفنز.
وأكد انه في نهاية الحصار دخل المجمع من اجل إنقاذ الحراس الليبيين الذين كانوا محاصرين في تبادل لإطلاق النار، وقال ان القادة الأميركيين استخداموا هجوم بنغازي للتلاعب "بمشاعر الشعب الأميركي" في محاولة لـ " جمع الأصوات للانتخابات الخاصة بهم".
وإذا تحاول الولايات المتحدة إلقاء القبض على ختالة، فمن المرجح أن تقوم بعملية اخري دون مساعدة كبيرة، إن وجدت، من الحكومة الليبية، ويرى المخططون العسكريون أن غارة شرق ليبيا ، والتي يهيمن عليها المليشيات ، أخطر بكثير من عملية طرابلس.
وكان المشرعون في ليبيا والقادة المحليون من مختلف الانتماءات السياسية تعهدوا منذ أشهر عدة بأن حكومتهم الجديدة لن تؤيد العمل العسكري الغربي على الأراضي الليبية لأي سبب من الأسباب، وقالوا إنها ستكون في حاجة الى دليل قوي يثبت أن أي مشتبه فيه في هجوم بنغازي يجب اعتقاله أو توجيه تهم إليه ، وفي جميع الأحوال يجب التعامل مع هذه القضية في محكمة ليبية - بغض النظر عن حالة الضعف الذي يعاني منه النظام القانوني في البلاد.
وفي كثير من الأحيان يَتهم الإسلاميون والبرلمان الانتقالي في ليبيا زيدان، الذي عاش في جنيف حينما تعرض للنفي أثناء فترة حكم العقيد الراحل معمر القذافي، بالتعاون القوي مع الدول الغربية.
وصرح زيدان، في الرباط، المغرب، بعد اجتماعات هناك، الثلاثاء، برفضه مخاوف حدوث أي انتهاك خطير مع الولايات المتحدة. وأكد "أنها ساعدتنا أثناء ثورتنا". وأوضح "لن تتأثر علاقاتنا المشتركة بسبب هذا الحدث، الذي سوف ينتهي بالطريقة التي نحتاج إليها".
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر