باستطلاع دار الإفتاء اليوم الثلاثاء، هلال شهر رمضان المعظم معلنة غرته، يدق شهر الرحمة والغفران باب المسلمين حول العالم ليحل ضيفا كريما على نفوس عازمة على صيام نهاره وقيام ليله وتهفو للقائه من العام للعام، ففيه يسعد المسلمون أكثر أي وقت آخر طوال العام ، إذ يضفي البركة و الفرحة على البيوت وبين الأفراد، ويتساوى في ذلك المسلمون كافة في مشارق الأرض ومغاربها على اختلاف أجناسهم وألوانهم.
ولهذا الشهر مكانة لا تعادلها في خصائصها وفضائلها أي أيام أخرى طوال العـام ، وتأكيدا لهذه المكانة العظيمة فقد خطب الرسول الكريم في الناس قائلا " أيها الناس قد أظلكم شهر عظيم مبارك شهر فيه ليلة خير من ألف شهر ، شهر جعل الله صيامه فريضة ، وقيام ليله تطوعا وهو شهر الصبر ، والصبر ثوابه الجنة ، شهر المواساة من أفطر فيه صائما كان مغفرة لذنوبه وعتق رقبته من النار ، وكان له مثل أجره من غير أن ينقص من أجره شيء ، قالوا يا رسول الله ليس كلنا يجد ما يفطر الصائم ، فقال يعطي الله هذا الثواب لمن افطر صائما على تمرة أو شربة ماء أو مذقة لبن ، وهو شـهر أوله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار ، ومـن سـقى صائما سقاه الله من حوضي شربة لا يظمأ بعدها حتى يدخل الجنة .
ويعود اهتمام المسلمون بقدوم شهر رمضان لعظم الأجر فيه، ففيه تفتح أبواب الخير لكل راغب، وهو شهر الخير والبركات وشهر التقوى والصلاح وشهر الصوم والصلاة وقراءة القرآن ، شهر تفتح فيه أبواب الجنة وتغلق أبواب النار وتصفد فيه مردة الشياطين.
وتبدأ استعدادات شعوب الأمة الإسلامية لاستقبال شهر رمضان المبارك قبل قدومه بأيام عديدة، وتحديدا بعد ليلة النصف من شهر شعبان ، ففي مصر تزين الشوارع والحارات بالأعلام والبيارق الورقية، وتشهد الأحياء والأزقة ظاهرة ربط الحبال بين البيوت المتقابلة وتعلق عليها الرايات والفوانيس.
وبمجرد ثبوت هلال رمضان والإعلان عن غرته ، تبدأ الشعوب الإسلامية في ممارسة طقوسها الرمضانية التى تستمر على مدى شهر كامل ، بدءا من إقامة صلاة التراويح إلى إخراج زكاة الفطر مرورا بالصلاة والصيام وقراءة القرآن وقيام الليل وإعداد موائد الرحمن ، وعلى الرغـم من تشابه تلك العادات والتقاليد لدى المجتمعات الإسلامية، إلا أن لكل منها ما يميزه عن غيـره من المجتمـعات خاصة في مظاهر التعبير عن الفرح باستقبال أيام الشهر الكريم بتبادل التهاني وإقامة الموائد الرمضانية وتبادل الدعـوات والعزائم بين الأهـل والأصدقاء .
وكمـا أن للمسلمين في مختلف جنبات العالم ما يميزهم في الاحتفال بشهر رمضان ، إلا إن عادات وتقاليد الاحتفال اختلفت في كثير من مظاهرها، فبين الأمس واليـوم تغيرت الكـثير من الـعادات الرمـضانية ، وبات رمضان الماضي مختلفا بلا شك عن رمضان الحاضر ، ومع ذلك ظل الفانوس " تميمة " هذا الشهر التي لا تتغير على الرغم من تغير شكله مئات المرات ، و ظلت المائدة الرمضانية سيدة الموقف وتحتل رأس قائمة الاهتمامات في تلك الاحتفالات ، حيث يتميز كل شعب من الشعوب الاسلامية ببعض الأكلات التي يرتبط إعدادها بالشهر المبارك ومن هذه الأكلات ما يمكن أن تكون في طريقها الى الاندثار ، ومنها مايزال يمثل طبقا رئيسيا على مائدة الافطار لـدى تلك الشعوب .
ويعد فانوس رمضان من أبرز مظاهر وطقوس هذا الشهر الكريم ومبشرا بقدومه، ويحرص الصغار والكبار على اقتنائه وتزيين المنزل والمحال به ، فلا يكاد أى بيت مصري يخلو من فانوس رمضان، ولهذا تتنافس المحلات في عرض الفوانيس المبتكرة بألوانها الكرنفالية المتعددة، فتبدو وكأنها لوحات تشكيلية صارخة الأشكال والألوان.
وبداية ظهور الفانوس في مصر تعود إلى الخامس من شهر رمضان عام 358 هـجرية ، عندما دخل المعز لدين الله الفاطمى القاهرة ليلا ، وحينها استقبله أهلها بالمشاعل والفوانيس وهتافات الترحيب ، وكان الفانوس من الأساسيات التي يعتمد عليها سكان القاهرة في الإنارة ليلا ، وكان يصنع وقتها من النحاس وتوضع بداخله شمعة، وبعد ذلك أصبح يصنع من مواد أخرى كالصفيح والزجاج الملون والبلاستيك، وكان الأطفال قديما يطوفون الشوارع والأزقة حاملين الفوانيس ويطالبون بالهدايا من أنواع الحلوى التي ابتدعها الفاطميون واستمرت هذه العادة حتى سنوات قليلة مضت.
وفي مصر اعتاد الصائمون على الإفطار بعد انطلاق مدفع الإفطار وبدء آذان المغرب، وعرف مدفع الإفطار في العصر المملوكي وكانت القاهرة أول مدينة إسلامية تستخدم هذه الوسيلة عند الغروب إيذانا بالإفطار في رمضان، ويعد المسحراتي طقس رمضاني تاريخى ويازال موجودا فى بعض الأحياء حيث يمر المسحراتى مع الساعات الأولي بعد منتصف الليل ممسكا طبلته التى يدقها بأسلوب منتظم مناديا على الأطفال بأسمائهم لإيقاظهم وتشجعيهم على الصيام.
كما يترقب السودانيون قدوم هذا الشهر الفضيل بفيض من الشوق والاستعداد، ويدخرون له ما طاب من المحاصيل الزراعية والبقوليات والتمر منذ وقت مبكر وقبيل حلول الشهر الكريم، ويشترون التوابل وقمر الدين ويقومون بإعداد مكونات شراب شهير يسمى (الحلومر) وهو يصنع من عدة مواد أهمها الذرة والتوابل وغيرها وتحتوي المائدة السودانية على بعض الأكلات المقلية والحلويات و(العصيدة ) والسلطات وأنواع عديدة من المشروبات المحلية والعصائر المعروفة فضلا عن (سلطة الروب)، والشوربة وغيرها من مكونات المائدة الرمضانية العامرة.
واللافت للنظر في العادات السودانية في رمضان، وهو إفطار الناس في المساجد وفي الساحات التي تتوسط الأحياء، وعلى الطرقات تحسبا لوجود مارة ربما يكونون بعيدين عن منازلهم أو وجود من لا يتوفر لديهم الوقت لصنع الطعام بالطريقة التي يريدونها فقبل الغروب بدقائق تجد الناس يتحلقون في جماعات خلال لحظات الإفطار لاصطياد المارة ودعوتهم لتناول الإفطار معهم، وبعد الفراغ من الإفطار يتناولون القهوة ثم يقضون بعض الوقت قبل الذهاب إلى صلاة التراويح.
ولا يختلف رمضان كثيرا في فلسطين فرغم الاحتلال الإسرائيلي، فإن شهر رمضان له عاداته من إفطار وسحور وحلويات وصلاة تراويح وقيام ليل وقراءة القرآن وزيارات الأهل ، و من أهم الأطعمة الفلسطينية المقلوبة والفتة ، وفي سوريا تتقدم التبولة والبطاطا المقلية والفطائر بالسبانخ والكبة النيئة بالإضافة إلى السمبوسك وحساء العدس المجروش قائمة الطعام التى تتصدرها الأكلة الرئيسة " فتة المكدوس وفتة المقادم والفوارغ والقبوات " وهي عبارة عن خروف محشو بالأرز واللحم والصنوبر.
ويستقبل اللبنانيون شهر رمضان بشوق إلى لياليه ذات الطابع الخاص فتضج الطرقات بالناس وخاصة ساعة الإفطار حيث يهرعون إلى بيوتهم قبل أذان المغرب، وتزدحم الجوامع بالمصلين لأداء صلاة التراويح وغيرها من الصلوات المفروضة، ويشيع في لبنان شرب الحساء بجميع أنواعه والفتوش المؤلف من الخس والبندورة والخيار والبطاطا المقلية والحمص بالطحينة المشهور لبنانيا، أما الأكل الرئيسي فالشائع الملوخية الورق مع الدجاج بالإضافة إلى الكبة المقلية.
ويكتسب رمضان في الكويت مذاقا خاصا يحرص من خلاله الكويتيون على إحياء تقاليد وعادات توارثوها من أزمنة بعيدة عن الأجداد ونكهة خاصة وأجواء روحانية في ظل ترابط اجتماعي متميز، وفي الكويت تشتهر (الهريس) كطبق رئيس حيث تصنع من القمح المهروس مع اللحم مضافا إليها السكر الناعم والسمن البلدي والدارسين (القرفة) المطحونة، و"التشريب" وهي عبارة عن خبز الخمير أو الرقاق مقطعا قطعا صغيرة ويسكب عليه مرق اللحم الذي يحتوي غالبا على القرع والبطاطس وحبات من الليمون الجاف الذي يعرف بـ (لومي)، حيث يفضل الصائم أكلة التشريب لسهولة صنعها وخفة هضمها على المعدة ولذة طعمها وهي عبارة عن خبز التنور إلا أنه في الوقت الحاضر يستخدم خبز الرقاق وهو خبز رقيق.
وفي العراق، يشتري المسلمون مستلزمات رمضان قبيل حلوله بعشرين يوما، وتوضع الزينة، والإنارة الضوئية على معظم محال الملابس والحلويات ، ويتكون الإفطار من الشوربة التي تتكون من عدس وشعيرية وكرفس أخضر، والأرز والمرقة التي تتكون من فاصوليا وبامية وباذنجان ، إضافة إلى الكباب المشوي والكبب المقلية والنيئة، وبعد صلاة العشاء والتراويح يتم تناول الحلويات وأشهرها البقلاوة والزلابية والشعيرية والكنافة.
وفي المغرب يستقبل المغاربة رمضان بفرحة عارمة ويعيش أكثرهم هذا الشهر في صيام حقيقي وطاعة مطلوبة، يحاول البعض الاستفادة من هذا الشهر بالتقليل من الأكل، والإكثار من الطاعات كالتصدق وتقديم وجبات الإفطار للمحتاجين وقيام الليل وقراءة القرآن الكريم ، وتشتهر الموائد الرمضانية بحساء الحريرة إذ لا يعتبر كثيرون للإفطار قيمة بدونها ولذلك بمجرد ذكر شهر رمضان تذكر معه (الحريرة) عند الصغار والكبار على السواء ، وينتشر الباعة الجائلون فى الطرقات والأماكن الآهلة بالسكان ليبيعوا الحريرة و(الشباكية) وهي حلوى تصنع غالبا في البيوت بحلول الشهر الكريم.
ويختص الشعب الجزائري شهر رمضان بعادات نابعة من تعدد وتنوع المناطق التي تشكله، ويزداد الإقبال على الحمامات الشعبية من العائلات في الأيام الأخيرة من شهر شعبان للتطهر واستقبال رمضان للصيام والقيام بالشعائر الدينية وتنطلق إجراءات التحضير لهذا الشهر الكريم قبل حلوله بشهور من خلال ما تعرفه تقريبا كل المنازل الجزائرية من إعادة طلاء المنازل أو تطهير كل صغيرة وكبيرة فيها علاوة على اقتناء كل ما يستلزمه المطبخ من أوان جديدة وأغطية ومفروشات لاستقبال هذا الشهر.
ويستقبل الصوماليون رمضان بالطلقات النارية، ويقومون الليالي العشر الأواخر بالاعتكاف في المساجد وحلقات الذكر وتلاوة القرآن الكريم وتفسير الأحاديث ويقوم الوعاظ بترجمة فورية للقرآن من اللغة العربية إلى الصومالية، وتقدم على مائدة الفطور في رمضان مشروبات ومأكولات خفيفة مثل عصير المانجو والجوافة، ويتم تناول الموز والبطيخ، ويشكل اللبن وجبة أساسية وخاصة في المناطق الجنوبية، وحتى في العاصمة، وفي جزر القمر يسهرون على السواحل حتى الصباح استعدادا لشهر رمضان بدءا من شهر شعبان، ويعدون المساجد فيشعلون مصابيحها ويعمرونها بالصلاة وقراءة القرآن الكريم ، ويكثرون من الصدقات وفعل الخير، وفي الليلة الأولى من رمضان يخرج السكان حاملين المشاعل ويتجهون إلى السواحل حيث ينعكس نور المشاعل على صفحة المياه ويضربون الطبول إعلانا بقدوم رمضان ويظل السهر حتى السحور، ومن الأطعمة الرئيسية على مائدة الفطور الثريد إضافة إلى اللحم والمانجو والحمضيات ومشروب الأناناس.
فيما يستقبل الإندونيسيون الشهر المبارك بذبح الذبائح ابتهاجا بقدومه ورغم أن إندونيسيا تتكون من أكثر من 3000 جزيرة تتناثر على امتداد جنوب شرق آسيا وأستراليا وتمتد بين الملايو وغينيا الجديدة إلا أن تقاليد هذه الجزر الكثيرة تتوحد خلال شهر رمضان رغم اختلافها من جزيرة إلى أخرى في غيره من الشهور.
ومن عادات أهل البلاد عند انتهاء صلاة التراويح وذهاب كل إلى بيته أن ترى شباب كل قرية وقد تجمعوا بالقرب من المسجد للغناء والابتهالات حتى موعد، فتقوم الجماعة صاحبة النوبة بإيقاظ الأهالي للسحور باستخدام آلة تعرف (بدوق) وفي الليلة التالية تقوم جماعة أخرى من الشباب بذات العمل، أما في المدن الكبيرة فتنطلق المدافع لإيقاظ السكان للسحور ، وتنطلق مرة أخرى للإمساك إيذانا ببدء صوم يوم جديد
وتشهد الساحة الإسلامية في هولندا خلال شهر رمضان تنظيم برامج خاصة من قبل جمعيات ومؤسسات أهلية تابعة للأقلية المسلمة تتوزع على الإفطار الجماعي الذي يدعى إليه المسلمون والهولنديون على السواء.
وتعد منظمات العمل الخيري الإسلامية شهر رمضان فرصة ذهبية لعملها حيث تنظم حملات تبرع خلاله تجند لها عشرات الدعاة الذين يتنقلون بين المساجد ومقرات المنظمات الإسلامية للتعريف بأهدافها وحث المصلين على التصدق لمساعدة المحتاجين.
ويحتفل المسلمون في الصين بمظاهر شهر رمضان بشكل خاص في أماكن تجمعهم، ويسمى شهر رمضان في الصين «باتشاي»، ويتركز المسلمون في شمال غربي الصين وتتميز لياليه بالصلاة في المساجد خاصة صلاة التراويح.
وتنتشر حول المساجد المطاعم الإسلامية التى تقدم الأكل الحلال وتزدهر حركتها فى رمضان، وتقدم الوجبات الشرقية والشامية والحلويات الرمضانية المشهورة في الدول العربية والإسلامية إلى جانب أكلات وحلويات المطبخ الصيني الحلال.
ومن أهم عادات المسلمين بالولايات المتحدة الأمريكية خلال شهر رمضان إقامة موائد إفطار جماعية تتبعها صلاة التراويح ما يعد مناسبة مهمة للتقارب الاجتماعي بين المسلمين، ويلمس المراقب لحياة المسلمين هناك خلال الشهر الكريم نشاطا في أداء العبادات.
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر