برازيليا - رامي الخطيب
تم عزل رئيسة البرازيل ديلما روسيف في 12 مايو/أيار الماضي، في انتظار محاكمتها باتهامات مجلس الشيوخ في البلاد. وتم تسليم نائبها ميشال تامر الرئاسة مؤقتا ريثما تتم انتخابات رئاسية جديدة.
وقد وصفت عملية الإقالة ضد السيدة روسيف بأنه انقلاب من قبل حلفائها، الذين أشاروا إلى التهم الموجهة اليها، والتي تركز على ادعاءات انها انتهكت قوانين الميزانية، واستندت على الآثام الصغيرة نسبيا التي ارتكبها الرؤساء الذين سبقوها وأفلتوا من العقاب.
وانتخبت السيدة روسيف، من حزب العمال (حزب دوس ترابالهادوريس أو PT) للمرة الثانية في عام 2014 بأغلبية صغيرة. وكانت أول رئيسة أنثى للبرازيل، واستنكر مكتب الأمم المتحدة في مجال حقوق المرأة عملية المساءلة ضدها، واصفا إياها بأنها "العنف السياسي الجنسي".
وخلال فترة رئاستها للبلاد، تحملت روسيف موجة من الاحتجاجات في الشوارع في عام 2013 من قبل البرازيليين المطالبين بتحسين الخدمات العامة، وترأست الاقتصاد الذي انكمش بنسبة 3.8 في المائة في العام الماضي.
وجاءت عملية شركة "لافا غاتو"، أو عملية غسيل السيارات، لتكون القضية التي قامت فيها الجهات القضائية بالتحقيق في فساد في شركة النفط الحكومية "بتروبراس"، والتي شهدت اعتقال الكثير من رجال الأعمال والسياسيين ممن تورطوا فيها، وروسيف نفسها لم تكن متهمة اتهاما مباشرا بأخذ أو دفع رشاوى. وفي الأسبوع الماضي، اعتقل الوزير السابق في حكومتها، ساو برناردو، في ظل اتهامات بتزعم مخطط قدره 29 مليون دولار داخل وزارة التخطيط لتلقي أموال دعم لحزب "العمال" بطريقة غير مشروعة.
وفي تحد وعزم، تحدثت السيدة روسيف إلى صحيفة "ليد أجينسا بوبليكا" النسائية البرازيلية عن إقالتها ومحاكمتها الوشيكة، في قضايا الإجهاض، وإزالة الغابات في منطقة الأمازون، والتمييز على أساس الجنس في البرازيل والميل إلى اليمين في أميركا اللاتينية وخارجها.
وفي ما يلي نص الحوار
سئلت هل كان من المهم بالنسبة لك أن تكوني أول رئيسة للبرازيل؟
فأجابت روسيف أن هذا واضح. بقدر ما كان من المهم أن يكون هناك أول حكومة يرأسها عامل (تحت رئاسة لويس اغناسيو لولا دا سيلفا، سلف روسيف ومعلمها). واضافت: لو كان ذلك فقط فهو سطحي جدا. كان هناك خليط من الأسباب، وهذا كان واحدا منها، لأنه أصبح لدينا أول حكومة في ظل امرأة في البرازيل، البلد التي تقول أنه ليس لديها أي تحيز ضد المرأة، ولكنها مليئة بالتحيزات، فقد كان شيئا مهما جدا. وهناك سلسلة من الصور النمطية عن المرأة. على سبيل المثال، المرأة لا يمكن أن تكون حازمة، وأنه يصعب عليها أن تكون قاسية، ولا يمكن أن تكون مجرد شخص يأخذ موقفا. ليسوا معتادين على النساء في التعامل مع المسائل العامة، وهنا تلك العبارة التي تتكرر باستمرار حولي، أن لدي "صعوبة كبيرة في التعامل مع السياسيين"، كما لو أنهم جزء من الحياة العامة، أو كما لو كانت الصعوبة في التعامل معهم ليست جزءا من الأزمة في القيم التي تواجه البرازيل في الوقت الراهن. وغيرها من الأمور، مثل: امرأة هشة أساسا، وإذا لم تكن هشة، يقال أنها إما مجنونة، وأنها ليست في كامل عقلها، أو أنها أصبحت غريبة. لقد قيل عني أنني كنت امرأة قاسية في وسط رجال ودعاء، ودعاء للغاية، كل منهم وديع، كم هذا جميل.
وأشارت الى أنه خلال الفترة في حكومة فرناندو هنريك كاردوسو، كنت وزيرة التعدين والطاقة والاتصالات في ريو غراندي دو سول. كنت المرأة الوحيدة. ونظرا لأن تلك الأمور فنية جدا، كانت تبدو أنها شيء غير مناسب لتتولى قيادتها امرأة. لا أعتقد أن هناك أي منطقة لا تستطيع المرأة الخوض فيها. كوني رئيسة هذا يعني أنني أبعد عن ذلك بخطوة، لأنه هو الشكل الأكثر اتضاحا في السلطة، لأنه أعم.
وحول مذكرة الأمم المتحدة للتبرؤ من العنف الجنسي الذي تمت معاملتك به، عن طريق بيان صحفي أثناء إقالتك، قالت روسيف: أعتقد أنه كان هناك عنف بالفعل، ولكن العنف لم يبدأ الآن فقط، وعلينا أن لا ننسى الماضي (فديلما كان ينظر إليه بأنه يقود حرب عصابات خلال سنوات الدكتاتورية في البرازيل). في الحقيقة لدي قصة، في إحدى المرات، سألني أحد الصحفيين إذا كنت أنام مرتدية حذائي، أنت تعرفين القصص التي يقولونها عنا في الخفاء، أننا ننام بأحذيتنا لتسهيل الهرب في وقت قصير. أنا الرئيسة الآن، كيف أذهب للنوم بحذائي؟ وتلك صورة نمطية بشعة.
وأكدت أنه عندما تنتصر الحقوق، هذا لا يعني بالضرورة أن يشعر كل شخص بأنه قد نال حقه. على العكس من ذلك، فإن الفوز ببعض الحقوق يعني أنه يفتح المجال للآخرين للشعور بالظلم. لهذا السبب قلنا دائما: ضرب الفقر ليس سوى البداية. وأولئك الذين دعمناهم، في حالة استثنائية، كما كانت الدولة البرازيلية دائما، كانوا جزءا مستبعدا من المجتمع، مستبعدا من الاقتصاد. وأسهل طريقة هي إعادة توزيع الثروة. عند إعادة توزيع الثروة يكون القرار سياسي. والآن لا أبالغ حين أقول أن برنامج بولسا فاميليا لم يسبق له مثيل في أكثر البرامج ثورية.
وتابعت روسيف تقول: لقد كان إنجازا عظيما، ولكن بمجرد القيام بذلك أراد الناس الحصول على خدمات جيدة، وأنهم يريدون تعليم ذي نوعية جيدة، وأنهم يريدون خدمات السلامة العامة ذات نوعية جيدة. هناك صراع بين مدى سرعة إعادة توزيع الثروة وسرعة تحسين الخدمات. في نفس الوقت، أعتقد أن هناك استياء، والشعور بالضيق العام من السياسة، مع التمثيل السياسي. خلال العديد من الاحتجاجات في عام 2013، عندما يقوم شخص ما بشيء جيد، كان الناس يقولون "انه يمثلني!" اعتقد انه في تلك اللحظة، نحن نعيش في حالة من الشعور بالضيق مع هذا النظام من التمثيل، ليس فقط في البرازيل، ولكن في جميع أنحاء العالم. حتى عندما نأخذ بعين الاعتبار أن حكومتنا لديها دائما جدول أعمال للمشاركة الشعبية. إن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي اليوم، يوضح بعض الشيء ما يحدث في كل مكان، من اليسار إلى اليمين.
وعما اذا كانت تعتقد بأن عملية إقالتك كانت مدبرة ومرتبطة بالاحتجاجات الشعبية؟ أجابت بالنفي ، وقالت: لا، أنا لا أعتقد أنها كانت احتجاجات الجناح اليميني. قبل فترة الركود، كانت هناك معارضة معينة لإعادة توزيع الامتيازات في البرازيل. وأعتقد أن هذا العنصر، جنبا إلى جنب مع الركود، جعل الطبقة الوسطى أكثر راديكالية، وجعلت القيم اليمينية مهيمنة جدا. بالنسبة لي الذي خسر بشكل أكبر هو الحزب المنتمي الذي فقد طابعه حين تحول إلى اليمين. كيف يمكن أن ينحاز هؤلاء إلى الذين يدافعون عن انقلاب عسكري؟ الإقالة كانت مدبرة، وكانت مدبرة فور انتخابي، وليس في عام 2013. انتخابي في عام 2014 كان مثيرا للجدل. لم يكن هناك انتخابات في البرازيل مثل تلك. بعد ذلك، طلبوا إعادة عد الأصوات، وهو أمر لم نشهده في البرازيل لعدة قرون. بعد ذلك، أيدوا إدواردو كونه رئيسا لمجلس النواب، الذي لديه أجندة اليمين البارزة، وكسر التقاليد الديمقراطية الوسط في البرازيل التي كانت لدينا منذ أصبحنا دولة ديمقراطية. واحدة من أكبر المشاكل مع حكومة ميشال تامر هي "كونها" المختبئ، لأنه زعيمهم، بكل معنى الكلمة.
وسئلت: هل تعتقدين أن "لعنة الدول الغنية بالنفط" كان لها علاقة بإيقافك؟
وردَّت قائلة: إن أحد أسباب اتهامي كان في صالح حكومتنا، نحن لم نمنع تحقيقات الفساد لكننا كنا دائما واضحين، أنه في أثناء مكافحة الفساد، يجب ألا تدمر الشركات أو الوظائف. الولايات المتحدة الأميركية مؤخرا، جنبا إلى جنب مع بقية العالم، كان لديها أكبر قضية فساد مع البنوك ومشتقاتها، مما أدى إلى خسائر فلكية في أزمة عام 2008. ولم يدمروا البنوك، بل دفعوا غرامة وقبضوا على الزعماء ولكنها لم تدمر الشركات. سلسلة النفط والغاز مهمة جدا للناتج المحلي الإجمالي في البرازيل، إنه يخلق فرص عمل، فإذا أسقطت هذه الشركات، أنت بذلك تحطم الناتج المحلي الإجمالي البرازيلي.
واضافت: في البرازيل، نحن لسنا بحاجة إلى إلصاق الانقلاب إلى أي بلد آخر في العالم. نحن مختصون في فن إنتاج الانقلابات هنا في البرازيل. وهذا كان انقلابا ذاتيا. والمسؤولية في ذلك تقع على عاتق الأوليغارشيات المحلية. قد يكون هناك من كانوا سعداء جدا بذلك، هذا موضوع آخر. قد يكون هناك أناس من ساعدوا في ذلك، وهذا شيء آخر. ولكن لا يهم.
وسئلت: خلال حملتك قمت بزيارة العديد من الكنائس الإنجيلية في البرازيل، ولكن هناك عصابة من السياسيين (القادة الإنجيليين) وهم أكثر من رفضوا ومنعوا مقترحات حزب العمال، بما في ذلك القوانين التي من شأنها تجريم رهاب المثلية واعلاء قيم حقوق المرأة الإنجابية. هل تعتقدين أن الأمر كان يستحق العمل معهم؟
أجابت روسيف بالقول: أعتقد أنه من الأهمية الأساسية فتح هذا النقاش معهم. أنت لن تدير ظهرك على 30 في المائة من البلاد. علينا أن نناقش الأمور معهم، لأنني لا أعتقد أنهم كلهم متشابهون، ليس من الممكن تشويه صورة الدين.
وأضافت: وبالحديث عن الإجهاض، هناك إجهاض مقنن في هذا البلد. القانون واضح، وينص القانون على ما يلي: يكون الإجهاض في ثلاث حالات، عندما تتعرض المرأة للاغتصاب، لو كانت حياتها معرضة للخطر أثناء الولادة، وفي حالات ضمور المخ للجنين.
سئلت: هل تؤيدين إلغاء تجريم الإجهاض؟
أجابت: شخصيا، أنا في صالح كل شيء. كرئيسة، أنا لا أتدخل في ذلك. وأنا لن أرد على ذلك. في أحد الأيام، عندما لم أكن الرئيسة، سوف أرد على هذه المسألة، ولكني لا أزال الرئيس حتى الآن فهم لم يطيحوا بي كليا. إذا خرجت من الحكومة، سوف أدافع عن الكثير من القضايا، لقد كنت نسوية.
وعن عملية غسيل السيارات، قالت: أنت لا تريديني أن أعلق على الأشياء التي ينظرها القضاء. لدي سخط هائل على هذا النوع من الاستخدام السياسي لتحقيقات عملية غسيل السيارات. فالنظرية كانت هكذا: حزب واحد فقط في البرازيل فاسد، ولكن هذا ليس ما نراه الآن.
وعن سد بيلو مونتي في الأمازون، أليس من الطراز القديم رؤية الأمازون جبهة التنمية الاقتصادية في البلاد؟
أجابت روسيف: نحن لا نرى الأمازون كجبهة من أجل التنمية. نحن نستخدم الموارد التي في إمكاننا، والحفاظ على البيئة. لا يزال لدينا قضية إنهاء إزالة الغابات، وكيفية إعادة زراعتها، وكيفية احتواء الزراعة والحفاظ على انبعاثات الكربون منخفضة، وما إلى ذلك. خلاصة القول، لدينا المياه كمورد، والتي لا تمتكلها كثير من البلدان. أعتقد أن رؤية السدود خاطئة تماما، لأنه إذا لم يكن لدينا بيلو مونتي، ينبغي أن يكون لدينا شيئا معادلا، وهذا الشيء لن يكون الطاقة الشسية لأن الثمن كبير. طاقة الرياح غير قابلة للحياة، وبالتالي إذا لم تستخدم الطاقة الكهرومائية، عليك استخدام الطاقة النووية.
وأكدت أن هذا الإصدار من الانقلاب البرلماني حدث بالفعل من قبل، قبل حدوثه لنا. لقد حدث ذلك في باراغواي، في هندوراس. أعتقد أنها طريقة جديدة لإخراج الحكومات التي لديها هيراركية اقتصادية. إنه ليس انقلاب عسكري، ولكن لديه سمة مميزة واحدة: تتخلص من الحكومة، ولكن مع الحفاظ على النظام الديمقراطي. ولكن هناك ثمنا لفعل ذلك، فإذا كنت مستعدا للتنازل عن المؤسسات الخاصة بك، فأنت تحدث ندبة في المجتمع. في كثير من الحالات، يمكنك منع إعادة تشكيل النسيج الديمقراطية. لكن هناك عواقب وخيمة، أعتقد أنها ستخلق عدم استقرار في أمريكا اللاتينية.
وردا على سؤال هل كانت هناك قوة هامة وراء إنشاء قانون الحصول على المعلومات، وإنشاء لجنة الحقيقة (التي تحقق في الجرائم التي ارتكبت خلال البرازيل الدكتاتورية من 1964-1985). كيف تتعامل مع أفراد القوات المسلحة الذين يرفضون تسليم الملفات وتقديم معلومات إلى لجنة تقصي الحقائق؟
قالت روسيف: على ما أتذكر ذلك، لم يرفض تسليم الملفات، بل قالوا أنها لم تعد موجودة، وقالوا في لحظة معينة في الماضي، دمرت الملفات.
وعن أي مدى قيد قانون العفو تقديم مرتكبي جرائم التعذيب إلى العدالة، كما حدث في تشيلي والأرجنتين وأوروغواي؟
قالت: لم تكسب القضية في المحكمة الاتحادية العليا، وأعتقد أننا نتعلم في الحياة أن لدينا السخط الشخصي وفهمنا للواقع. لا يمكنك تشكيل حكومة دون أن تعرف أنك سوف تكسب بعض الأشياء، وتخسر أشياء أخرى، ونحن خسرنا تلك القضية.
وسئلت: إذا عدت إلى الحكومة، هي ستغيرين النظام السياسي في البرازيل، والذي يقوم على تشكيل تحالفات مع أحزاب أخرى؟
فأجابت: أود أن أشكل حكومة انتقالية. لأن الحكومة لن يتبق لها سوى عامين آخرين، وسيكون علينا أن نضمن جودة الديمقراطية في البرازيل، والتي يمكن أن تحدث في 2018 (عندما يكون هناك انتخابات أخرى). ومن المناسب إجراء مناقشة حول الإصلاح السياسي في البرازيل، لا شك. حاولنا هذا في عام 2013 وتعرضنا لهزيمة نكراء.
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر