نقّاشات ساحة جامع الفناء يروينّ قسوة اتهامات المجتمع
آخر تحديث GMT 06:12:26
المغرب اليوم -

نقّاشات ساحة "جامع الفناء" يروينّ قسوة اتهامات المجتمع

المغرب اليوم -

المغرب اليوم - نقّاشات ساحة

نقّاشات ساحة "جامع الفناء"
مراكش- ثورية ايشرم

تراهن نساء قابعات وسط ساحة جامع الفناء على الحصول على أكثر الزبائن، ينادينّ زوار الساحة من مختلف الجنسيات للحصول على نقش مميز يبقى تذكارًا من المدينة الحمراء.
منهنّ من تراها تنادي بكلمات تجمع بين الفرنسية والإنكليزية بُحكم تعاملها مع الأجانب أكثر من العرب، ما فرض عليها تعلُم اللغة حتى وإن كان ذلك بطريقة عشوائية، تمكنّها من فتح باب للتواصل بينها وبين السُيّاح الأجانب، وهناك من تستعمل اللكنة المراكشية الممزوجة بالضحك من أجل جلب زوار هم عبارة عن زوار داخليين.
وبمجرد وصولك إلى ساحة جامع الفناء تسمع أصواتهنّ يرحبنّ بك ويدعونك لتجربة نقش الحناء ذو جودة عالية وبثمن مناسب.
ولتسليط الضوء على هؤلاء النسوة والتقرب منهنّ أكثر ومن مهنتهنّ التقليدية التي عرفتها المدينة واشتهرت بها منذ أعوام، والتي ولدت مع ولادة فنون الساحة التي يقصدها الزوار من كل مكان في العالم، اقترب "المغرب اليوم" منهنّ حيث فتحنّ قلوبهنّ وأخذنّ  يسردنّ حكايتهنّ مع نقش الحنّاء الذي يعتبرونه فن تراثي مغربي أصيل.
"الحنّاء" مُنقذ العائلة
(نادية) نقاشّة تبلغ من العمر 30 عامًا، أكدت في تصريح للـ"المغرب اليوم" أنّ "دخولي إلى هذه المهنة لم يكن اختياري بل ظروف الزمن هي التي فرضت علي ذلك خاصة بعد وفاة زوجي، الذي كان هو المُعيل الوحيدة للأسرة؛ فلم أجد بابًا بعد وفاته إلا وطرقته من أجل العمل وتوفير متطلبات البيت والأولاد وعملت كخادمة في البيوت كوني لا أُتقن القراءة ولا الكتابة، وعانيت الكثير؛ حيث كان العمل كخادمة مضاعفًا ومتعبًا والأجر ضعيفا جدا لا يمكّنني من توفير جميع مصاريف البيت والحياة اليومية التي أثقلت كاهلي، رغم أني أتقن نقش الحناء وكنت أذهب إلى بعض البيوت عندما يتمّ طلبي من طرف إحدى الزبائن، لكن نادرًا ما يحدث ذلك، وجاءت فكرة العمل كنقاشة في الساحة من طرف إحدى جاراتي التي تعمل في الساحة أيضًا كبائعة للطواقي، رغم أني ترددت في البداية إلا أنني لم أجد خيارا آخرًا، فقمت بالإجراءات القانونية اللازمة، واتجهت إلى الساحة التي أعمل فيها منذ أكثر من 4 سنوات الآن، واحصل على مكسب مناسب والحمد لله يكفيني سدّ مصاريفي ومصاريف أبنائي، وفتحت حسابًا خاصا أضع فيه مبلغًا كلما استطعت ذلك من أجل تامين مستقبل أولادي، وأنا فخورة بعملي كناقشة؛ فهو من فتح  أمامي باب رزق أعيش منه وأنا مرتاحة وأستطيع أن أوفق بينه وبين مهمتي كربّة بيت".
أما (خديجة) البالغة من العمر 24 عامًا وهي تعمل كناقشة في ساحة جامع الفناء فصرحت بدورها لــ"المغرب اليوم" أنّ "مهنة نقش الحناء مهنة تقليدية توارثتها من جيل لآخر، وأنا  بدوري ورثتها عن جدتي وأمي اللتان كانا يعملان كمزينتين للعرائس في الحفلات "النكافة"؛ فبعد تركي للدراسة اتجهت مباشرة إلى العمل كنقاشة خاصة للعرائس لكن هذا العمل كان موسميًا خاصًا فقط في فصل الصيف؛ حيث تكثر مواسم الأعراس لأجد نفسي عاطلة عن العمل طيلة الفصول الأخرى، فعرضت علي الحاجة رحمة، والتي كانت تعمل في ساحة جامع الفناء، أن آخذ مكانها ليوم واحد مقابل 500 درهم ، لم أقبل في البداية لكن أقنعني المبلغ، وذهبت فوجدت نفسي أمام موقف اعتبرته في البداية مُحرجًا جدا لكن سرعان ما تعودت عليه، خاصة بعدما وجدت نفسي قد كسبت أكثر من 500 درهم في ذلك اليوم، لتتحول وجهتي إلى هذه الساحة حيث كنت أساعد الحاجة كل يوم واكسب مبالغ كبيرة جدًا، خاصة وأنّ الساحة تعج بالزوار الأجانب الذين يقبلون على وشم الحناء بشكل كبير، و بعد وفاة الحاجة رحمة التي جعلت مني نقاشة مميزة ومعروفة في الساحة خاصة وأني لا ارتدي لثامًا يخفي ملامح وجهي كالأخريات ما يزيد ثقة الزبون بي ويشجعه للإقبال على نقشي أكثر، وأنا لم أندم يومًا على اختياري هذا المجال؛ فهو هوايتي قبل أنّ يكون مهنتي، رغم كل الصعوبات التي نتعرض لها كنقاشات، خاصة الفتيات الشابات منها: التحرش الجنسي والاتهامات الكثيرة التي تطلق علينا من قبل أفراد المجتمع وحتى الصحافة أحيانًا خاصة المحلية تكتب عنا أشياء مُخزية جدًا، لكن لا أهتم بذلك طالما أن عملي شريف ومنه أساعد أسرتي وأعيل نفسي".
من جهة أخرى، تؤكد (نزهة) أربعينية وأم لـ3 أطفال، أنها "تضع لثامًا يغطي وجهها أنّ نعتنا الكثيرون على أننا بائعات هوى ونخفي هذا خلف عمل وشم الحناء وخلف اللثام الذي نضعه، ومنهم من وصفنا أننا واسطات دعارة ونُدير أوكارًا للدعارة وغيرها من الاتهامات التي وجّهت لنا والتي ليس لها أساس من الصحة، لو كنا كذلك لما جلسنا هنا نقاتل الحر في الصيف ونموت من شدة البرد في الشتاء مقابل دراهم للوشم الواحد، نركض خلف الزبون لنقنعه بالنقش، لو كنا عاهرات لكنا الآن نجلس في المقاهي الراقية والباهظة ونسكن شققًا فخمة في أرقى أحياء المدينة، ونركب سيارات من النوع الرفيع وحافظة نقودنا مليئة بالمال، نحن نعمل هنا بشرف وبالحلال، ونعرف جدّ المعرفة أنّ أسهل الطرق هو الطريق الحرام، نعتز بهذه المهنة التي من خلالها نأكل قطعة خبز ونعيش بواسطتها ونعيل أولادنا وعائلاتنا، حتى وإنّ لم تكن كافية لسد كل الحاجيات إلا أنها تبقى المهنة التي لا نعرف سواها حيث نتعامل مع المغاربة كما نتعامل مع الأجانب، فثمن النقش معروف بدون زيادة أو نقصان، وهذه أشياء واضحة وكل النقّاشات هنا يطبقن القوانين، ونخضع للمراقبة اليومية من طرف شرطة السياحة".
وتضيف (نزهة): "أحيانًا نتعرض لمواقف محرجة جدًا خاصة من طرف الأجانب الذين يطلبون منا نقش الحناء في أماكن معينة محظورة بالنسبة لي أنا شخصيًا ما يجعلني أرفض ذلك حتى وإنّ كان المبلغ مغريًا جدً؛ لأني أعتبر المسالة متعلقة بالكرامة أكثر من أي شيء آخر، لاسيما أنّ هذا الأمر يتطلب من النقاشة الانتقال إلى مكان سكن الأجنبي ما يعرض حياتها للخطر، كأن تتعرض للاغتصاب أو أي شيء من هذا القبيل، إضافة إلى أنها تصرفات منبوذة وغير مقبولة يعاقب عليها القانون بحرمان من ضُبط متلبسًا، من مكانه في الساحة ومن مزاولة المهنة بشكل نهائي".
"الحنّاء" زينة تتحدى الزمن
وفي تصريح إلى "المغرب اليوم" تؤكد الحاجة مليكة، من أقدم المعلمات المراكشيات في فن نقش الحناء، أنّ "الحناء زينة تتحدى الزمن وهي أفضل المواد التجميلية الطبيعية التي اعتدنا عليها منذ نعومة أظافرنا، وقد أصبحت ساحة جامع الفناء هي المعبر الذي يمر منه النقش المغربي إلى العالم، من خلال الإقبال الكبير من طرف زوار الساحة من مختلف الجنسيات، وقد ساهمت النقاشات المحترفات في ذلك، إلا أنّ هناك بعض الصورة السلبية التي حوّلت الساحة إلى مركز لممارسة بعض السلوكيات غير الأخلاقية، حتى وإنّ أبينا ذلك ورفضنا الاعتراف به إلا أنه يبقى أمر لا هروب منه، فعلى زمننا نحن كان الحياء سيد الموقف وكان الزائر يقبل على وشم الحناء وهو مبتهج ومطمئن، ماديًا ومعنويًا، الآن تغير كل شيء وأصبحت معظم النقاشات تستخدم مواد غير صحية في الحناء تساعد على إظهار النقوش بسرعة، وهذا ما يتسبب للعديد من السُيّاح الأجانب خاصة ذوي الحساسية الجلدية بالإصابة ببعض الحروق والالتهابات الخطيرة على مستوى الجسم، إضافة إلى عدم تحمل المسؤولية كاملة من طرف بعضهنّ، فيما يتخذ البعض الآخر هذه المهنة كجسر لمزاولة أنشطة أخرى كالإتجار في أعراض الناس، حيث يعمل بعضهنّ كوسيطات للدعارة يستقطبنّ الفتيات من مختلف المناطق، من أجل تقديمهنّ لأجانب من مختلف الجنسيات مقابل مبالغ مالية، فهنّ يتخذنّ هذه المهنة فقط لإخفاء وجههنّ الحقيقي وهذا من أكثر الأسباب التي جعلتني أترك المهنة وأتوقف عن ممارستها".
وبغض النظر عمّا يُقال سواء كان حقيقيًا أم لا فمهنة النقاشة  أو مزينة الحنّاء تبقى من أكثر المهن التقليدية التي بقيت راسخة في الساحة منذ سنوات عدة، والتي عُرفت بها مدينة مراكش منذ زمن بعيد، ويقبل عليها الكثيرون من مختلف الجنسيات ومن كل بقاع العالم، رغم ما تروج له مختلف الشرائح المُجتمعية.
وبعيدًا عن كل ما تتداوله وسائل الإعلام المحلية والوطنية في حق من تمارس هذه المهنة  التي تعتبر كباقي المهن، التي لها وجهها الإيجابي والسلبي، والتي أصبحت تعرف عزوفًا ملحوظا من طرف النقاشات اللواتي بدأنّ يبتعدنّ عن ممارستها وذلك لعدة أسباب، أهمها الإهمال والإقصاء والتهميش الذي تعانيه معظمهنّ، ما يتطلب التدخل السريع من طرف الجهات المعنية لتقنين هذه الحِرفة التقليدية وحمايتها من الاندثار وحماية هؤلاء النسوة اللواتي يعتبرنّ كنز وتراث ثقافي للمدينة عامة ولساحة جامع الفناء خاصة.

libyatoday
libyatoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

نقّاشات ساحة جامع الفناء يروينّ قسوة اتهامات المجتمع نقّاشات ساحة جامع الفناء يروينّ قسوة اتهامات المجتمع



لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 09:24 2024 الإثنين ,12 شباط / فبراير

تعرف على أبرز إطلالات شرقية فاخرة من وحي النجمات
المغرب اليوم - تعرف على أبرز إطلالات شرقية فاخرة من وحي النجمات
المغرب اليوم - عودة الرحلات الجوية عبر مطار ميناء السدرة النفطي

GMT 16:10 2020 الإثنين ,21 كانون الأول / ديسمبر

الألوان الدافئة والاستلهام من الطبيعة أبرز صيحات ديكور 2021
المغرب اليوم - الألوان الدافئة والاستلهام من الطبيعة أبرز صيحات ديكور 2021

GMT 11:08 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم الإثنين 9 تشرين الثاني / نوفمير لبرج الميزان

GMT 11:52 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

تنجح في عمل درسته جيداً وأخذ منك الكثير من الوقت

GMT 11:48 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

لا تتردّد في التعبير عن رأيك الصريح مهما يكن الثمن

GMT 01:15 2018 الثلاثاء ,24 إبريل / نيسان

عبير صبري تبدي سعادتها بنجاح أعمالها الأخيرة

GMT 02:30 2017 الثلاثاء ,03 تشرين الأول / أكتوبر

أفضل الجزر البريطانية لالتقاط صور تظهر روعة الخريف

GMT 03:32 2017 الخميس ,02 آذار/ مارس

نهى الدهبي تكشف عن رحلات السفاري المميزة
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya