تخفي دريتا وجهها الباكي في عيادة في شمال البانيا، فهي حامل بأنثى بعدما وضعت قبلها ثلاث اناث اكبرهن في عامها الرابع..وهي ترتكب بذلك جريمة لا تغتفر في عين مجتمعها الذي يفضل الذكور على الاناث.
وقصدت هذه السيدة البالغة 31 عاما العاصمة تيرانا آتية من كرويا في شمال البلاد، مع ام زوجها، على امل ان تجد في احدى عياداتها الخاصة من يقبل اجراء عملية اجهاض لها.
تجلس دريتا حزينة تتمتم بعض الكلمات، فيما ترمقها ام زوجها بنظرة قاسية، فهي مسؤولة بنظرها عن حرمانها من ان يكون لها احفاد ذكور..
وتقول بنبرة حاسمة "انثى رابعة! انها لعنة، اما ان نتمكن من اجهاضها او فلا مكان لها بيننا بعد اليوم".
وتحظر القوانين في البلاد الاجهاض بعد الاسبوع العاشر من الحمل، او الاسبوع الثاني عشر في بعض الحالات، لكن جنس الجنين لا يمكن تحديده سوى بعد الاسبوع السادس عشر للحمل، ولذا قصدت دريتا هذه العيادة الخاصة، عسى ان تجد فيها حلا لمشكلتها.
وحال هذه الشابة كحال الكثيرات من مواطناتها، وهو مشهد يمتد الى دول عدة في البلقان، حيث يؤدي تفضيل الذكور واجهاض الاناث الى اختلال في التوازن بين ولادات الجنسين.
وتقول روبينا مواسيو مديرة احد المستشفيات في تيرانا "ما زال تفضيل الذكور على الاناث طاغيا في البانيا، والاجهاض على هذا الاساس متواصل، رغم ان القوانين تحظر ذلك".
وقد ادت هذه الظاهرة الى زيادة نسبة الذكور بشكل واضح.
ويقول كرستوف غيلموتو المتخصص في علم السكان لوكالة فرانس برس "في بعض بلدان غرب البلقان، مثل البانيا وكوسوفو ومونتينيغرو ومقدونيا، يولد 110 ذكور مقابل كل 100 انثى"، وهذه النسبة تخالف النسبة الطبيعية.
وبحسب المعهد الالباني للاحصاء، فان عدد النساء في البانيا في مطلع كانون الاول/يناير من العام 2015 كان اقل من الرجال بواحد وثلاثين الفا، علما ان اجمالي عدد السكان مليونان و800 الف نسمة.
وعلى ذلك، فان البانيا واحدة من الدول القليلة في اوروبا التي يزيد فيها عدد الذكور عن الاناث رغم ان اعدادا كبيرة من الذكور يهاجرون لاسباب اقتصادية.
ويسري اجهاض الاناث ايضا في مونتينيغرو حيث ما زال المجتمع يفضل الذكور على الاناث، بحسب مايا رايشفيتش من مركز حقوق النساء في العاصمة بودغوريتسا.
وتؤيدها اوليفيرا ميليانوفيتش المسؤولة عن المركز الوطني للطب الجيني "خلال السنوات الاخيرة، ومن بين ثمانية الاف حالة ولادة، كان عدد الذكور اكبر من الاناث بثمانمئة طفل، انه اختلال لا يمكن ان يكون طبيعيا".
وتضيف "نتيجة لذلك، لدينا الآن في مونتينيغرو نقص في النساء اللواتي هن في سن الانجاب".
وبحسب باحثين، فان النساء في البلقان يتعرضن لضغوط شديدة لانجاب ذكور مهما كان الثمن.
ويرجع الباحثون هذه الظاهرة الى العقلية التقليدية السائدة في البلقان، والتي تنظر الى الانثى على انها عبء على العائلة، والى الذكر على انه عماد الاسرة.
ونتيجة ذلك، والتفافا على القوانين التي تحظر الاجهاض، تؤخذ النساء الحوامل باناث الى عيادات خاصة او الى اشخاص غير مجازين، لاجراء عمليات اجهاض تنتهي كثير منها بوفاة الام.
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر