مدين - أ.ف.ب
كانت سانيدا ابنة الخمسة اعوام تمضي يوما عاديا في قريتها النائية في باكستان، حين مر بها والدها وأخبرها بما كان من شأنه ان يغير حياتها الى الابد، لقد زوجها الى رجل من قرية مجاورة، ليطفئ غضب سكانها بعد ضبطه مع احدى نسائهم.فقبل اشهر من ذلك ضبط الوالد علي احمد في قرية مجاورة مع احدى النساء هناك، وتجنبا لقتله على يد ابناء القرية، تعهد الرجل بان يقدم ابنته زوجة لاحد رجال عائلة عشيقته.وينتشر هذا النوع من التسويات بين عائلات وادي سوات في باكستان كآلية محلية لمنع الاقتتال بين العائلات، في هذه المنطقة التي كانت تحت سيطرة مقاتلي حركة طالبان بين العامين 2007 و2009.
ففي العام 2012 سجلت حالة واحدة من زيجات التسوية هذه، لكن العدد ارتفع الى تسع حالات مماثلة في العام الماضي.وتقول سانيدا البالغة من العمر اليوم سبع سنوات "اوقفني والدي في الشارع ليقول لي انه علي ان اتزوج من احد الرجال لاجراء تسوية بين العائلتين".
اعترضت والدتها على هذا الزواج، لكن مجلس القرية الذي يضم كبار سكانها، ايد الزواج.ويقول فضل الأحد عم الفتاة "اعتقدنا في البداية انه لا يمكن تنفيذ هذا الزواج، لكن اعضاء مجلس القرية كانوا يطالبون سانيدا كل يوم بان تلتحق ببيت زوجها".وسعت العائلة دون كلل الى مواجهة هذا القرار، في مجتمع يولي اهمية كبرى لما يعتبره "غسل الشرف" في حال "تلطيخه"، ورفعوا دعوى قضائية اسفرت عن توقيف والد الفتاة واعضاء مجلس القرية جميعا.
وهذه النهاية السعيدة وغير المتوقعة لسانيدا لم تزل عنها كل تبعات ما جرى، اذ ما زال رفاقها في المدرسة يشيرون اليها بالبنان ويقولون "هذه الفتاة قدمت لزواج +سوارا+" وهو الاسم الشائع هناك لهذا النوع من زيجات التسوية.واذا كانت سانيدا محظوظة، الا ان حال ابنة عمها سابنا لم يكن كذلك، اذ اضطرت الى الخضوع لقرار المجلس المحلي، وتزوجت رغما عنها.ويقول فضل الاحد "هناك الكثير من حالات السوارا، لكن الناس لا يتقدمون بشكاوى للشرطة، الناس هنا لا يجرؤون على اثارة القضايا المتصلة بالمرأة امام القضاء، وبالتالي فان الفتيات هن من يدفعن الثمن".وبحسب المنظمات المحلية، فان الحالات المفصح عنها من تقديم الفتيات كزوجات على سبيل التسوية هي غيض من فيض.
ويقول نافيد خان وهو مسؤول رفيع في شرطة مينغورا كبرى مدن وادي سوات "في حالات زيجات السوارا، يتجنب الناس ان يثيروا الامر امام القضاء ويشهد بعضهم ضد بعض، فهم سكان قرية واحدة ومن مجتمع واحد".وتقول تبسم عدنان صافي التي ترأس مجلسا محليا هو الوحيد في البلاد المكون من النساء حصرا "لا احد يريد ان يشهد على هذه القضايا".وغالبا ما تضطر السلطات الى اطلاق سراح الموقوفين في هذه القضايا بسبب عدم توفر الادلة الكافية.
وترى الباحثة الباكستانية سمر منة لله التي سبقت ان اعدت فيلما عن الزيجات القسرية، ان الامور لن تتغير في ظل اعتراف اجهزة الدولة بسلطة زعماء القرى، وقدرتهم على فرض قوانينهم الخاصة.وتقول "ينبغي ان تتخذ السلطات اجراءات قاسية بحق مجالس القرى +الجيرغا+ عندما تنتهك القوانين".لكن من يناصرون هذا الزواج لديهم رأي آخر، على غرار سيد كريم سيمان المحامي في مدينة مينغورا الذي يقول "انها عادة مفيدة جدا، لانها تحقن الدماء بين العائلات المتنازعة".ويضيف "في حال تعرضت الفتاة الى سوء معاملة لدى عائلة زوجها، فان عائلتها يمكنها ان تطلب القصاص"، معتبرا ان ذلك يشكل ضمانة لحماية الصغيرات المتزوجات قسرا من التعرض لسوء المعاملة.
غير ان المعارضين لهذا الزواج يشككون في فوائده، على اعتبار ان اساءة معاملة الفتاة سيدفع عائلتها الى طلب تزويج احد ابنائها قسرا من فتاة من تلك العائلة، وعلى ذلك فان الحلقة المفرغة هذه لن تنتهي.
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر