بغداد ـ وكالات
وقع في يدي عن طريق الصدفة كتاب تطور المرأة السودانية وخصوصيتها لتاج السر عثمان الحاج، الصادر عن دار عزة للطباعة والنشر والتي دأبت على اصدار مثل هذه المؤلفات التي يحتاج لها قارئ اليوم، وهذا الكتاب من الكتب النادرة والتي تهتم بمسيرة المرأة السودانية، ويحوى بين سطوره حقائق وأفكارا عن هذه الفئة من المجتمع، وكفاحها المتميز من أجل حقها في حياة انسانية عادلة، بعد أن عانت من ظلم المجتمع طويلاً بمختلف الأساليب والحجج.
الكتاب خطوة جريئة ومتقدمة للتوثيق لدور المرأة السودانية في الحياة، ويتعرض لما عانته المرأة في سبيل حقوقها من كبت وظلم وتهميش وسلب لحريتها وأدميتها، وإهانة لكرامتها، وكل ذلك لارضاء الرجل وترك البحث عن سبل كسب العيش له بمفرده، بينما تظل المرأة خادمة له ليس إلا. ويستخلص القارئ من هذه الدراسة القيمة، والتي جاءت في وقتها تماماً، وخاصة ونحن نشهد ظهور تيارات تعمل على عودة المرأة إلى ما قبل التاريخ، مما يتنافى مع سنة الحياة، في التطور والتقدم، وضرورة إسهام المرأة مع الرجل، جنباً إلى جنب، في رقي الحياة، وازدهارها. وخلافاً لما تستند إليه تلك الجماعات من تحريم الأديان على المرأة المشاركة مع الرجل في صنع الحياة، واختصارها على خدمة الرجل ولزومها البيت، وتحريم خروجها للعمل أو الدراسة ...الخ فقد اسقط المؤلف في أيدي هؤلاء، عندما أوضح بالدليل دور علماء الدين والفقهاء والمشائخ في فتح دور العلم للجنسين، بل ومشاركة المرأة في فتح منافذ التعليم للجنسين منذ عهد سحيق، وأشارت الدراسة إلى ان بعض حلقات العلم شهدت الاختلاط بين الرجال، النساء، كما أن بعض الحلقات كان عدد النساء يفوق عدد الرجال، كما ان المرأة السودانية شاركت الرجل في العمل في الزراعة والرعي والنسيج والصناعات الخفيفة وغيرها والحكم والأمثال الشعبية تؤكد ذلك.
تعرض المؤلف لأكثر المشكلات التي عانت منها المرأة، وهي تلك المتمثلة في العادات الضارة وسيطرة التقاليد السياسية والتي تمثلت في الممارسات الخاطئة كالختان الفرعوني، الزار، الشلوخ، الزواج المبكر ...الخ ومازالت بعض من هذه الممارسات تحد من تطور المجتمع، مع اندثارها في معظم المدن ولا يمكن القضاء عليها إلا بمزيد من التعليم.
كما ألقى المؤلف الأضواء على دور التعليم الديني والمدني في نهضة المرأة، وأبرز الداعمين لهذه النهضة، وعلى رأسهم الشيخ بابكر بدري الذي كان من المساندين لتعليم المرأة، والذي يستحق أن تبني له البلاد تمثالاً في قلب العاصمة. كما ان مجلة الحضارة لعبت دوراً في هذه النهضة وخاصة وان كتابات الأدباء الأمين علي مدني وخليل فرح خير شاهد على ذلك.
وينقلنا المؤلف إلى دور الناشطات والمتعلمات في هذه النهضة، ويشير إلى الحركات النسائية كروابط الجامعيات والاتحاد النسائي، وظهور مجلات خاصة بالمرأة «صوت المرأة» القافلة «المنار» ووصول أول امرأة إلى سدة البرلمان فاطمة أحمد ابراهيم والتي كسرت طوق العزلة عن المرأة وقضاياها، وأول طبيبة سودانية خالدة زاهر.
هذا الكتاب مهم وخاصة وان جماعات الهوس الديني، والتي تتحين الفرص لارجاع المرأة إلى عهد الجاهلية، والتي كافحت ضدها المرأة حتى وصلت إلى ما هي عليه اليوم، مازال الطريق طويلاً حتى تأخذ المرأة كافة حقوقها، لتكون عضواً نشطاً في المجتمع.
الكتاب سياحة رائعة في هذا المجال، والذي يحتاج إلى تضافر جهود الكافة للمزيد من التقدم والتطور للمرأة والتي في تقدمها ونهضتها تقدم المجتمع والبلاد.
هناك بعض الحقائق والملاحظات أرجو أن ينتبه إليها المؤلف ويأخذها بعين الاعتبار:
1- أغفل المؤلف دور العاملات في مجال محو الأمية وتعليم الكبار وخاصة في عهد الاستعمار، فقد عملت نساء سودانيات أمثال دار الجلال ومعها بعض البريطانيات في أول مشروع لتعليم ومحو أمية المرأة في الجزيرة والمناقل والتي انتقلت إلى أجزاء الوطن فيما بعد.
2- دور النساء السودانيات في مجابهة المستعمر وتبرعهن بالمجوهرات دعماً للمناضلين المعتقلين.
3- دور الفنانات الأوائل في بث الأمل والفرح لنفوس الناس، ودورهن في هزيمة دعاة «صوت المرأة عورة» أمثال عائشة الفلاتية، منى الخير، مهلة العبادية، فاطمة الحاج ، ولا ننسى المرأة التي كان لها دور في يقظة الشعب وهي «فوز» التي استطاعت أن تحتوي نخباً ثورية أسست جمعيات لمقاومة المستعمر والتي كانت دارها قبلة الثوار والأدباء والمغنين للثورة والكفاح.
4- دور النقابيات في مختلف المهن ودور الصحفيات والأديبات والشاعرات قديماً وحديثاً.
الكتاب بداية لتوثيق جاد للمرأة السودانية ونتمنى أن يستمر المؤلف في هذا الجهد، فهو حافز للآخرين، وعلينا أن نعلي من مكانة المرأة ونساند قضاياها العادلة، وبمثل هذه الكتب نستطيع أن نغلق للأبد تيارات التراجع للمرأة وندفع بها للأمام، حتى تعيش حياتها كما ينبغي.
الكتاب من 72 صفحة من القطع الصغير صادر في 2007 الاهداء: إلى المرأة السودانية.
شكراً لدار عزة وللمؤلف على هذه الوثيقة التي تحتاج إلى المزيد من البحث والدراسة حتى تكتمل.
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر