تسلّحت ناريمان حموتي راينكه، ضابطة مسلمة من أصول مغربية في الجيش الألماني، بحب التضحية والجدية في أداء مهامها، وقادت دبابة الجيش الالماني الذي تولى مهمة مجابهة عناصر حركة "طالبان" في أفغانستان، حاملة على أعتقاقها مهمة تغيير ثقافة الخدمة العسكرية التي تضطر المسلمون إلى إخفاء طقوس دينهم، وباعتبارها رئيسة نادي "الجندي الألماني" تطالب بتدخل أكبر للسياسيين ضد العنصرية، وتقول بأنه يجب معاقبة العنصرية بوسائل ردعية قوية.
ورغم كل تلك المخاطر التي تتعرض لها وكونها من أصل عربي، لم يمنع كل ذلك من أن تُقدم إخلاصها ووفائها من أجل ألمانيا ضد العنصرية والتمييز، وقررت حموتي راينكه النضال انطلاقا من ألمانيا من أجل نيل الاعتراف كامرأة وكمسلمة وكألمانية من أصول مغربية، لأنها تعتبر أن الجيش الألماني ليس مستعدا لاحتضان مسلمين.
وعن فترتها في أفغانستان و14 سنة داخل الجيش الألماني، ألّفت حموتي راينكه كتابًا تريد من خلاله إثارة المشاعر وربما الاستفزاز في دورها كجندية ذات جذور مغربية وكألمانية ذات بشرة سمراء وشعر أسود وكمسلمة داخل الجيش الألماني.
تعود الحياة العادية أدراجها عند ناريمان حموتي راينكه في المساء أثناء مشاهدتها التلفاز حين يمكن لها نسيان ضجيج الصواريخ والخوف السائد في القاعدة العسكرية في قندس بأفغانستان.
حموتي راينكه التي كانت تعمل من فبراير حتى يونيو 2008 خلال مهمتها الأولى في أفغانستان كقائدة دبابة من نوع "دينغو" وكمترجمة تدرك عدد الصواريخ التي كانت تحلق فوق معسكرها، وسمعت أن مقاتلي طالبان أقاموا كمائن في المنطقة، تقول:" بعد الهجوم الأول بالصواريخ لم يعد ينتابني الكثير من الخوف. كنت أعرف تلك المشاعر".
رأت حموتي زملاء قفزوا عند أول هجوم بالصواريخ مباشرة تحت أسِرَّتهم، ولاحظت أن الجميع في الحقيقة يشعرون بالخوف.وخلال أيام قليلة فقدت زملاء على إثر اعتداءات، وكانت قد تحدثت إليهم فقط قبل أيام وتقاسمت معهم الأكل، وواحد منهم احترق داخل دبابته.
ويشكل النساء أقلية في قوام الجيش الألماني حيث تصل نسبتهن إلى 12 في المائة ويحق لهن تأدية الخدمة العسكرية منذ 2001. وتفيد دراسة للجيش الألماني أن 15 في المائة لهم أصول أجنبية ويوجد 1.600 من الجنديات والجنود المسلمون داخل الجيش الألماني.
نشأت حموتي راينكه في حي للمهاجرين في هانوفر داخل شقة صغيرة في بناية عالية، والدها كان يعمل كثيرًا لجلب المال الضروري، ووالدتها كانت تسهر على أن يؤدي الأطفال واجباتهم الدينية. وقد غادرت البيت العائلي في سن الـ 16 ومارست عدة مهن.
عايشت حموتي راينكه التي تتحدث بطلاقة العربية والتركية وداري وفارسي، نقطة تحول عندما شاهدت فيلمًا عسكريًا وجدت فيه ما ينقصها من هدف في الحياة، وأظهر المسؤولون في الجيش الألماني اهتمامًا بها لما تتقنه من لغات.
كان عمرها 25 عاما عندما اجتازت اختبار الالتحاق بالجيش رغم صعوبته ووصلت كامرأة وحيدة إلى الجولة الأخيرة ونجحت في القيام بالتكوين الأساسي في الكتيبة الخاصة بالقتال الإلكتروني، واليوم بعد مرور 14 عامًا على خدمتها بالجيش، تحمل لقب ضابطة برتبة ملازم في البحرية بشهادة موقعة من قبل وزيرة الدفاع الألمانية أورزولا فون دير لاين، تلك الشهادة التي كان والدها يتفاخر بها أمام أصدقائه بعد صلاة الجمعة.
وفي فبراير 2011 عادت إلى أفغانستان لمدة 6 أشهر وعملت كمترجمة في معسكرات الجيش الألماني في قندس ومزار الشريف. وقبل الالتحاق بمهامهم يجب على الجنود أن يكونوا على بينة من أنفسهم فيما يخص الموت. وبعد تجربتها القاسية في أفغانستان كان يصعب عليها التكيف لاحقًا مع الحياة العادية في ألمانيا.وتقول حموتي راينكه:" الجيش قاد حياتي إلى المسار الصحيح".
واجهت راينكه في السفينة لدى البحرية الألمانية مشاكل في أداء صوم رمضان. وحكت في كتابها عن زميل يصلي في الخفاء خوفًا من أن يكشفه الآخرون، فهو لا يريد القول بأنه مسلم، لأنه يخشى مواجهة الملاحظات المعوجّة.
وتؤكد حموتي راينكه بأنه ليس لديها أوهام فيما يخص كتابها:" لن أتمكن من الوصول إلى كل شخص، ولن أنجح في دفع الأحزاب إلى تغيير تفكيرها". لكنها تأمل في أن السياسة ستفكر مستقبلا أكثر في الجنود الذين يخاطرون بحياتهم أثناء مزاولة مهامهم.
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر