لندن ـ وكالات
لا يعاني المراسلون الإخباريون المتحمسون من نقص في المصادر، وعلى وجه الخصوص على شبكة الإنترنت؛ فسواء أكنت تعرِّف الأخبار على أنها آخر المستجدات المتعلقة بعائلة كاردشيان أو النزاع في سوريا، فإن ثمة كمًّا وافرا من المصادر الرقمية المتاحة الذي يرضي كل الأذواق ويغذي الطلبات المستمرة لمواقع التواصل الاجتماعي. إذن، كيف يمكن لمؤسسة إخبارية تعود إلى 192 عاما مضت أن تولي اهتماما لنسختها الرقمية؟ يمكنها تحقيق ذلك من خلال الإعلانات.
على الأقل، تلك هي الخطة لإطلاق حملة جديدة تهدف للترويج لصحيفة الـ«غارديان» البريطانية الموقرة، التي أطلقت منذ أيام قليلة. ترتكز الحملة على موضوعات أميركية مثيرة للجدل تشمل النساء في صفوف الجيش، والخصوصية على الإنترنت، والسيطرة على الأسلحة، واستخدام الواقي الذكري في صناعة الأفلام الإباحية.
وتهدف مجموعة من الصور أنتجها فنان الغرافيك، نوما بار، إلى إظهار جانبي كل موضوع، من خلال محتويات تتغير بحسب وجهة نظرك. والهدف هو عرض الصور جنبا إلى جنب في لوحات إعلانية على الأرصفة في مدن مختارة داخل الولايات المتحدة وعلى الإنترنت.
على سبيل المثال، لتوضيح موضوع النساء في الجيش، تعرض صورة مشهدا لمدرعتين زرقاوين تابعتين للبحرية ومروحية حمراء تغطيها قبة بيضاء. يأتي العنوان الرئيسي: «مسؤولية الجيش» أعلى جملة: «النساء ليسوا بدرجة القوة البدنية كالرجال. نحتاج خيرة جنودنا في الصفوف الأمامية».
وعلى الرغم من ذلك، فإنه عندما يتم قلب الصورة على رأسها، تتحول المروحية الحمراء إلى شكل شفاه حمراء؛ والمدرعات الزرقاء إلى عيون؛ والقبة إلى شكل وجه. يأتي العنوان الرئيسي الآن كالتالي: «المساواة في التجنيد». العبارة الواقعة أسفل العنوان: «الأمر يتطلب أكثر من قوة وحشية للانتصار في الحروب اليوم. جميعنا نملك حق القتال دفاعا عن بلدنا».
بالنسبة للإعلانات التي تصور الخصوصية على الإنترنت، تعرض صورة شخصا يجلس بمكتبه وأمامه جهاز كومبيوتر محمول مفتوح، ويظهر العنوان الرئيسي: «ابتعد عن حاجياتي»؛ لكن عندما تقلب الصورة، يتحول الرجل الجالس عند المكتب إلى وجه متخف، مع عنوان «صد الإرهابيين».
وتهدف الإعلانات إلى استثارة رد فعل من جانب الأفراد الذين يختارون الانحياز لجانب معين في هذه القضايا. تقول جنيفر ليندناور، مدير قسم التسويق والاتصالات في «غارديان يو إس»، في مقابلة أجريت معها بمكتب الصحيفة في نيويورك: «بالنسبة لنا، يتعلق الأمر بنقل الخبر بعين المحررين».
تقول ليندناور: «عندما تنظر إلى الجدل المثار في هذه الدولة، تأتي في صلبه الحكومة في حياتنا في مقابل الحريات الشخصية. إنها الثقافة والأخبار والتكنولوجيا. لقد سمح لنا بعرض الجوانب متعددة الوجوه للتغطية التي نقدمها لقرائنا».
سوف يطلب من المارة الذين يشاهدون الإعلانات التقاط صورة للإعلان الذي يعبر عن وجهة نظرهم وتحميل الصورة على موقع «تويتر» أو على برنامج «إنستاغرام» باستخدام الـ«هاش تاغ» #VoiceYourView. سوف يقوم موقع إنترنت بدوره بجمع الأصوات وعرض روابط لتغطية صحيفة الـ«غارديان» لتلك الموضوعات.
وعلى الرغم من النجاحات الصحافية؛ وأبرزها تغطية فضيحة التنصت على الهواتف التي أسفرت عن إغلاق صحيفة «نيوز أوف ذي وورلد» التي يملكها روبرت ميردوخ، فإن صحيفة الـ«غارديان» امتلكت تاريخا من التقلبات، وإن كان قصيرا، في الولايات المتحدة. في عام 2009، قامت بتسريح مجموعة من المحررين والصحافيين الذين كان قد تم تعيينهم في الموقع الإلكتروني الذي يتمثل محور تركيزه في الأميركيين. وفي عام 2011، افتتحت مكاتب في نيويورك، ومنذ ذلك الحين، قامت بتعيين عدد من الصحافيين البارزين، وهو الأمر الذي تأمل في أن يجذب القراء، ومن بينهم آن ماري كوكس وناعومي وولف.
يقول ألان ماتر، وهو محاضر بكلية الصحافة للدراسات العليا بجامعة كاليفورنيا في بيركلي ورئيس تحرير سابق للصحيفة: «لا يمتلك كثيرون من خارج الوسط الإخباري معلومات عن الـ(غارديان)»، وأضاف أن الـ«غارديان» كانت «بمثابة منافس جديد هامشي في سوق وسائل إعلام أميركية على درجة شديدة من الازدحام والانقسام».
بدلا من التركيز على الإعلان، على حد قول ماتر، على الشركة التركيز على أسلوب آخر مجرب وموثوق لجذب القراء، وهو تغطية الأحداث.
يقول: «سوف أبحث عن أخبار مهمة بالفعل، أخبار تجذب الناس وتدفعهم لمشاركة ذلك المحتوى. ذلك النوع من الناس الذين يرغبون في جذبهم بوصفهم عملاء لن يتوقفوا لإجراء استطلاع رأي بشأن الإعلانات».
بحسب بيانات من «كانتار ميديا»، وهي جزء من «دبليو بي بي»، أنفقت صحيفة الـ«غارديان» في الفترة من يناير (كانون الثاني) حتى سبتمبر (أيلول) 2012 مبلغا قيمته 202 ألف دولار فقط على الإعلانات في الولايات المتحدة. ومن المقدر أن تتراوح تكلفة حملتها الجديدة بين نصف المليون والمليون دولار.
عملت الـ«غارديان» مع «بارتل بوغل هيغارتي»، وكالة التسجيلات التابعة للصحيفة، في الحملة. فضلا عن ذلك، فقد قامت الوكالة بابتكار حملة «الخنازير الثلاثة الصغيرة» «Three Little Pigs» المثيرة للصحيفة عام 2012 التي عرضت حكيا حديثا لقصة الأطفال، ظهرت فيه الخنازير وسط عاصفة إعلامية.
يجد الموقع الإلكتروني الخاص بصحيفة الـ«غارديان» نفسه في مرتبة جيدة تسبق مباشرة صحيفة «ديلي ميل» البريطانية التي قد حققت تقدما خلال الأعوام القليلة الماضية من خلال العناوين الرئيسية المحملة بنميمة عن المشاهير، بحسب تقرير نشرته «نيويورك تايمز».
وبحسب بيانات من «كومسكور»، فإن «ديلي ميل» تمتلك أضخم عدد من جمهور الصحف الإلكترونية في العالم، من خلال 54.2 مليون زائر خاص في يناير 2013. وقد امتلكت صحيفة الـ«غارديان» رابع أكبر جمهور عالمي هذا الشهر، من خلال 41.2 مليون زائر مميز. يأتي أقل من ثلث زيارات الموقع الإلكتروني لصحيفة الـ«غارديان» (29.7 في المائة) من القراء في الولايات المتحدة، فيما تأتي نسبة 36.5 من جمهورها من القادة الأميركيين.
وقال كين دكتور، وهو محلل إعلامي، إن القراء الأساسيين لصحيفة الـ«غارديان» في الولايات المتحدة كانوا مدفوعين بدرجة كبيرة بمواقع التواصل الاجتماعي وبعمليات البحث على موقع «غوغل» وبتغطيات إعلامية مثل فضيحة التنصت في بريطانيا. وقال دكتور إن الحملة الإعلانية ربما تكون بمثابة وسيلة متاحة لصحيفة الـ«غارديان» لتعزيز علامتها التجارية من خلال قرائها الرئيسيين بإعادة تقديم نفسها للقراء عبر الإعلانات. وقال دكتور: «من الصعوبة بمكان بالفعل بالنسبة للعلامات التجارية غير الوطنية كسر النمط السائد، ولهذا يستحق طلب إلقاء (نظرة ثانية) غير معتاد التجربة كنوع من الاستثمارات».
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر