ستوكهولم - المغرب اليوم
يرى البعض أن هذه الفترة من العام -أواخر الخريف وأوائل الشتاء- تعد من أكثر فترات العام سوءا في ستوكهولم، حيث تهب الرياح القوية التي تقضي على كل ألوان الربيع لترسم صورة خريفية كئيبة، فتتوارى الشمس عن الأنظار بحلول الساعة الرابعة عصرا، وفي كل الأنحاء يقف خطر الإحباط محدقا بضحاياه، فيما يعرف بمرض "الاكتئاب الخريفي".
تقول الخبيرة النفسية ميا فاهلين إن لدى الشتاء قدرة كبيرة على إلحاق الضرر بالكثير من الأشخاص. وذلك في بداية الحديث عن تجربتها الرائدة التي يشارك بها اثنان من زملاء العمل، مضيفة أنها مبادرة لإنقاذ السويديين من براثن الظلام النفسي الذي قد تخلفه هذه الفترة الكئيبة عليهم، وذلك عبر "سيارات الأجرة".
وتعمل فاهلين منذ أسابيع على هذه المبادرة، حيث تجلس منتظرة في المقاعد الخلفية لسيارات الأجرة في ستوكهولم، وكلما أقدم مار على ركوب السيارة تعرض عليه خدماتها العلاجية دون أي تكاليف إضافية على الأجرة التي ستظهر على العداد، خاصة هي تعلم أن مسألة الذهاب للطبيب النفسي بالنسبة للكثيرين تعد خطوة كبيرة وصعبة، لذا فإن ركوب سيارة الأجرة أمر أكثر سهولة.
كل شيء في هذا العالم له أكثر من وجه، لذا فإن هذه المبادرة التي تقدمها أكبر شركة لسيارات الأجرة في ستوكهولم لا تخلو من تحقيق مصلحة، فالسوق السويدي لسيارات الأجرة يتميز بارتفاع معدلات التنافسية، لذا تبحث كل شركة عن تقديم شيء مختلف وأصلي لجذب العملاء، وبهذا تضمن تواجدا أكبر ومنافسة على الريادة.
تحاور
وكانت شركة "تاكسي ستوكهولم" هي صاحبة الفكرة التي جاءت من منطلق إخبار سائقيها للمديرين أن أغلب العملاء دائما ما يبدون حاجتهم للتحاور والحديث، حيث تقول المتحدثة باسم الشركة ناتاليا سانتوس إن الكثير من الأشخاص يرغبون في الحديث والبوح عما في داخلهم.
وأظهر استطلاع رأي أجري مؤخرا شارك فيه العملاء أن الرحلة داخل سيارة الأجرة تعد فرصة جيدة للحديث والترويح عن النفس، هذا على الرغم من أن بعض التوصيلات قد لا تستغرق سوى بضع دقائق.
وتقول الأخصائية النفسية فاهلين إن مدة الرحلة هي التي تحدد إلى أين يمكن أن يذهب الحوار، حيث تدرك أنه لا يمكن لأحد أن يأمل في التحرر من كل مشاكله عقب جلسة علاجية بسرعة البرق بين محطة القطارات الرئيسية ومجلس بلدية المدينة على سبيل المثال.
وأضافت الخبيرة "نحن نحاول إظهار طرق جديدة -خلال مدة الرحلة- قد تساعد العملاء على تحسين إدارة مشاكلهم والتعامل معها، فالحديث عن المشكلة يمكن أن يكون بداية الطريق نحو حلها.
وليست فاهلين بمثابة مستجدة على المهنة، بل إنها تعمل في عيادة "ويمايند" النفسية وتتعامل بصفة خاصة مع مرضى يعانون من الاكتئاب والرهاب بأساليب مدروسة لمواجهة الأمر، وعادة ما يحتاج المرء من عشرة إلى عشرين جلسة علاجية لمواجهة الأمر وحل مشكلاته. وتؤكد فاهلين أنها لم تقرر الانضمام لهذه المبادرة لغرض مادي أو للحصول على مزيد من العملاء.
تحذير
ولكن أستاذ الطب النفسي بمستشفى ستوكهولم الجامعي بير كارلبرينج، يقول إن مسألة تحديد إذا كانت جلسات سيارات الأجرة العلاجية القصيرة لها أثر بين العملاء الأكثر تعرضا للضغط والتوتر والوحدة في المدينة تعد أمرا صعبا، مضيفا أنه ربما يكون لها نتائج جيدة والعكس صحيح.
واعتبر كارلبرينج أنها ربما تساهم مع بعض الأشخاص في تفهم حاجتهم للمزيد من المساعدة، ولكنها في الوقت نفسه قد تستخدم كأحد الأساليب الدعائية للأخصائيين النفسيين، مع العلم بأن كل المشاركين في هذا المشروع مع شركة سيارات الأجرة يحملون بالطبع التراخيص اللازمة لمزاولة المهنة.
يشار إلى أن اكتئاب الخريف يجعل المريض يصاب بفقدان الأمل والحزن والملل غير المبرر
والميل للعزلة والخمول، كما يعمد البعض فيه إلى الإكثار من تناول النشويات. وينتشر بين النساء بصورة أكبر عن الرجال خاصة في الفئة العمرية من عشرين إلى أربعين عاما.
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر