فيا لاس استرياس - أ.ف.ب
في وسط القطب الجنوبي، حيث تنخفض الحرارة الى دون الاربعين درجة تحت الصفر في الشتاء وتهب رياح قارسة متجمدة، يمارس سكان قرية فيا لاس استرياس الضائعة في صحراء الجليد، والبالغ عددهم 64 شخصا، حياتهم بشكل عادي.هذه القرية ملاصقة لقاعدة "ادواردو فريي" التشيلية في شبه جزيرة فيلديس، في جزر شتلاند الجنوبية. وهي عبارة عن حوالى عشرة منازل او أكثر بقليل، ومصرف، ومتجر، وناد رياضي، ومدرسة صغيرة للاطفال الستة من سكان القرية.ومعظم سكان القرية هم من عائلات العسكريين العاملين في القاعدة الجوية المجاورة، وشيئا فشيا اعتادوا على الحياة في هذا المكان القاسي الى جوار الحيوانات القطبية على غرار البطريق.
ويقول خوسيه كاريلان روزاليس مدير المدرسة والمدرس فيها "الحياة هنا ممتعة جدا..اصعب ما نواجهه هو حين نضطر الى البقاء في المنزل اياما عدة، ففي الشتاء الماضي مثلا لم نخرج من بيوتنا على مدى ثمانية ايام بسبب الرياح والثلوج".ويتطلب العيش في هذه القرية تنظيما محكما، فالمتجر لا يفتح ابوابه سوى مرتين في الاسبوع، ولا يعرض تشكيلة واسعة من البضاعة.ولذلك، يتعين على السكان ان يحضروا المؤن من بلدهم وان يخزنوها، وخصوصا مواد النظافة الشخصية والاطعمة المجلدة.ويقيم روزاليس في هذه القرية مع زوجته التي تعمل مدرسة ايضا، وطفليه، منذ عامين. وهو من مدينة تشيان الواقعة على 450 كيلومترا من العاصمة التشيلية سانتياغو.
واختلفت الامور تماما عند هذا الرجل وعائلته، فالحرارة في تشيان تصل الى 38 درجة في الصيف، أما في قريتهم الجديدة في القطب الجنوبي فتصل حرارة الشتاء الى اربعين تحت الصفر.لكنه يبدي سعادة كبيرة قائلا "الحياة هنا وادعة، لا سرقة ولا زحمة سير..ونرى اطفالنا اكثر مما كان عليه الحال قبل مجيئنا الى هنا".وبات هذا المكان جاذبا لعدد من التشيليين رغم البيئة القاسية، وذلك لان التدريس في هذه القرية يدر مدخولا يعادل خمسة اضعاف راتب التعليم في تشيلي.وتقول ماريا كريستينا هرنانديز "ينبغي ان يخضع الشخص لمسابقة على مستوى البلد، وان تتوافر فيه جملة من المواصفات".وتوضح "الشرط الاول ان يكون الشخصان مدرسين، ومتزوجان، لانهما سيتقاسمان البيت الوحيد المخصص لهذه الوظيفة، والمرشحون العازبون لا يقبلون، وكذلك يجب ان يكون الشخص ذا خبرة في التعليم لا تقل عن عام واحد".أنشئت مدرسة القرية القطبية في العام 1985، ومنذ ذلك الحين درس فيها 290 تلميذا، هم اولاد ضباط في سلاح الجو التشيلي، واولاد الموظفين العاملين هناك. وهي تضم راهنا ستة تلاميذ.
خوزيفينا اوباسو، هي ابنة ضابط، واحدى بائعات المتجر الصغير في البلدة.وتقول "انه امر ساحر ان تعيش في مكان لا يمكن ان يصل اليه احد، وهو تحد يومي ايضا لاننا مجبرون على ارتداء ملابس سميكة جدا للخروج، واحيانا لا نستطيع الخروج، هذا اسوأ ما في الأمر هنا".
واضافة الى المغريات المادية، يجد التشيليون في هذا المكان جاذبا لما فيه من تجربة فريدة تختلف عما سأموا منه في بلدهم، وفي سائر بلاد العالم.ومن هؤلاء فرانسيسكو فوينتيس (62 عاما) الذي يدير المصرف الوحيد العامل في القرية، وهو متزوج منذ 37 عاما ولديه ولدان، لكنه ترك عائلته وأتى الى فيا لاس استرياس ليصبح الموظف الوحيد في القطاع المصرفي في القطب الجنوبي، وهو يفتح مصرفه كل يوم امام زبائنه الثمانين المقيمين في القرية او العاملين في القواعد التشيلية القطبية، متيحا لعملائه الايداع والسحب والتحويل وحتى الاستثمارات.
ويقول "ما احبه في الحياة هنا هو الطيران فوق جبال الجليد في مروحية"، وهو يكسب في مصرفه القطبي 120 % مما كان يكسبه في تشيلي.
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر