تتنقل بعض الزرافات عند مرتفعات اقدم المتنزهات الوطنية في العاصمة الكينية، في مشهد فريد يأسر السياح غير أنه بات مهددا بفعل التوسع العمراني خصوصا مع مشروع لتوسيع سكك الحديد في نيروبي.
وينفرد متنزه نيروبي الوطني بكونه الوحيد في العالم بهذه الضخامة في قلب المدينة، غير أن هذه الميزة تنطوي ايضا على نقطة ضعف اذ ان مشاريع التنمية الحضرية للعاصمة باتت تهدد هذه الحديقة الاقدم في بلدان شرق افريقيا والتي تم وضع تصور لها في اربعينات القرن الماضي من جانب المستعمرين البريطانيين.
هذا المتنزه الممتد على مساحة تقرب من 120 كيلومترا مربعا، بات يدفع ثمن خطط التوسع العمراني اذ ان البنى التحتية للنقل باتت تقضم قسما من اراضي الموقع كما ان خطوط التوتر العالي تجتاز الاقسام الواقعة في جنوب شرق المتنزه وثمة خط لانابيب الغاز تحت اراضيه اضافة الى سحب من الغبار ناجمة عن مصانع الاسمنت ومناطق حضرية تعيق ممر هجرة الحيوانات من جنوب المتنزه في اتجاه متنزهات طبيعية اخرى مثل "ماساي مارا" الشهير.
وفي سبعينات وثمانينات القرن الماضي، كان حوالى ثلاثين الف حيوان من فصيلة التيتل الأفريقي (حيوانات النو) يأتي سنويا الى المتنزه في اطار عمليات الهجرة، اما اليوم فلم يعد عدد الحيوانات التي تتردد باستمرار يتعدى ثلاثمئة" بحسب سيدني كامانزي رئيس اتحاد اصدقاء المتنزه الوطني في نيروبي الذي تحدث ايضا عن عدد متزايد من الهجمات على القطعان من جانب اسود تضطر للبحث عن مواقع جديدة للصيد.
وفي احدث تجليات المشاريع التنموية في كينيا، قد يحدث جسر للسكك الحديد يثير معركة قضائية، تغييرا جذريا في هذا الملاذ الطبيعي للأسود والحمير الوحشية والتماسيح وحيوانات وحيد القرن وأفراس النهر والأبقار الوحشية والجواميس. فهذا الجسر سيشق المتنزه من جهة الى اخرى على مسافة تفوق ستة كيلومترات معلقا على دعائم بطول اكثر من 18 مترا في المعدل.
ويشير كامانزي الى انه "على مر السنوات، تم قضم اجزاء من المتنزه بشكل تدريجي لكن لم يتم طرح اي مشروع بهذا الحجم في السابق".
ويعتبر أن تبعات هذا المشروع ستكون "كارثية"، غير أن اخرين من انصار الحفاظ على الطبيعة يرغبون في اجراء دراسة عن الاثر البيئي قبل تكوين اي رأي في الموضوع.
- معركة قضائية -
ولتشجيع التبادلات التجارية وتعزيز موقعها كمحرك اقتصادي اقليمي، اطلقت كينيا سنة 2013 مشروعا ضخما لتحديث منشآتها من سكك الحديد، هي الاكبر في تاريخ البلاد منذ استقلالها سنة 1963.
هذه المنشآت من شأنها ربط مدينة مومباسا الساحلية ببلدان اخرى في المنطقة بينها اوغندا ورواندا وجنوب السودان مرورا بالعاصمة الكينية نيروبي.
ويقضم انشاء القسم الاول من المشروع، وهو خط ممتد على 483 كيلومترا بين مومباسا ومبنى واقع في شرق المتنزه الوطني، بضع عشرات من الدونمات على تخوم المتنزه. ومن المتوقع الانتهاء من هذه الاعمال خلال العام المقبل.
غير أن المشكلة تكمن في الجزء الثاني من المشروع الذي من المقرر ان يربط نيروبي بمنطقة نايفاشا الواقعة في وادي ريفت على بعد حوالى مئة كيلومتر شمال غرب العاصمة.
ولتفادي دفع مبالغ كبيرة في مقابل شراء اراض تسمح بتجنب المرور داخل المتنزه بينها مناطق مأهولة، قررت السلطات انشاء جسر في وسطه، على رغم اعتراض الناشطين البيئيين المنددين بحصول هذه المشاريع على حساب المتنزه الذي يزوره سنويا 150 الف شخص.
وبحسب الشركة الكينية لسكك الحديد، من المتوقع اطلاق مشروع الجسر في كانون الثاني/يناير على ان يستمر 18 شهرا ويمتد على ثلاث مراحل لتفادي تقسيم المتنزه بشكل كامل الى جزئين خلال الورشة.
كذلك فإن دعائم المشروع ستطلى بطريقة تجعلها تبدو شبيهة بالالوان الطبيعية في الغابات المحيطة وسيتم تقليص مستويات تلوث الضجيج كما ان الحيوانات ستواصل تنقلها تحت الجسر.
غير أن هذه الايضاحات لم تقنع معارضي المشروع الذين يؤكدون ان اي دراسة عن الاثر البيئي لم تجر بموجب القوانين المرعية الاجراء كما لجأوا الى المحكمة الوطنية للقضايا البيئية للنظر في هذا الملف.
وفي انتظار صدور قرار حاسم في مضمون القضية، امرت المحكمة بتعليق كل اعمال المرحلة الثانية من المشروع.
ويتوقع البعض معركة قضائية طويلة الامد على غرار تلك التي اخرت قبل سنوات انشاء طريق دائري يقضم بعض المناطق في المتنزه.
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر