يعتزم الرئيس الصيني تشي جينبينغ، بأنّ يجعل بلاده قوة كروية عالمية محددا ثلاثة اهداف اساسية: استضافة كأس العالم، والتأهل اليها، والفوز بها. الا ان حلما كهذا لا يزال بعيد المنال، لأن الأمر يتطلب إقبال ناشئيها على مزاولة اللعبة، وهي مهمة غير سهلة لأن العائلات تفضل أن يركزوا على الدراسة بدل التلهي بالرياضة.
ويصنف المنتخب الصيني في المرتبة 83 عالميا، ويحتل المركز الأخير في مجموعته ضمن التصفيات المؤهلة لكأس العالم 2018، رغم انه استقدم أخيرا المدرب السابق للمنتخب الإيطالي مارتشيلو ليبي.
وجعلت الصين من تطوير برامج كرة القدم للناشئين أولوية، مع خطة رسمية تشمل إقامة 20 الف اكاديمية، وجعل 30 مليون تلميذ يزاولون اللعبة في السنوات الأربع المقبلة.
ويسعى المارد الآسيوي إلى أن يصبح أحد أفضل المنتخبات عالميًا بحلول 2050، وإحياء حلم "القوة الكروية العظمى" إلا أن دون ذلك عوائق اجتماعية، إذ يشير مدربو كرة القدم إلى أن العائلات تركز على أولوية تعليم أبنائها، لأنهم سيتحملون مسؤولية إعالة والديهم عندما يتقاعدون، لاسيّما وأن للعديد من العائلات ولد واحد فقط نتيجة سياسات تحديد النسل التي سادت لأعوام في البلد الأكثر تعدادا للسكان في العالم (1,37 مليار نسمة نهاية 2015).
وذكر طوم باير، وهو مستشار كرة قدم مقيم في اليابان كلفته وزارة التربية الصينية بإعداد برامج لتدريب النائشين، أنّ "التحدي الكبير هو الذهنية السائدة بأن كرة القدم تلهي عن التعليم".
ويضيف "إذا نظرت إلى العائلات ذات الطفل الواحد، فالأمر فعلا لا يحتاج إلى تفكير.
إذا كنت تفكر بمستقبل طفلك، هل يجب أن تركز على الرياضة أم تسعى ليكون ابنك أفضل على المستوى الأكاديمي؟".
وللحد من هواجس ذوي الامر، يحاول باير إقناعهم بأن الدراسات تظهر أن للناشطين بدنيا نتائج أكاديمية أفضل، إلا أن الأهل يسألون عما إذا كان السماح لأولادهم بمزاولة اللعبة ينم عن "عدم مسؤولية".
وأثنى الأهالي، خلال حصة تدريبية في ناد للأطفال في بكين، على مساهمة الرياضة في تنمية قدرة أولادهم على تخطي العوائق والتحديات والشعور بالهزيمة، إلا أنهم لم يخفوا قلقهم من تأثيرها على الدراسة.
وتقول سونغ فينغ (41 عاما) إن كرة القدم "هي مجرد هواية" لابنها البالغ من العمر 11 عاما، وان الدراسة يجب ان تحظى دائما بالاولوية "لان هذه طبيعة النظام التربوي في الصين حاليا". وتحاول وسائل الإعلام الصينية التأثير إيجابًا على الأهل.
وذكر مقال على موقع "سوهو" الإلكتروني أن الفيلسوف الفرنسي ألبير كامو والفيزيائي الدانماركي نيلز بور كانا يزاولا كرة القدم خلال أيام الشباب، للدلالة على أن الرياضة لا تتعارض مع التفوق الأكاديمي.
وسأل المقال "مزاولة كرة القدم تعني التراجع في الدراسة؟ ايها الاساتذة والاهل، أفيقوا، لا تضيعوا مستقبل اولادكم!". وعلى رغم المسعى الرسمي لإقبال التلامذة على الرياضة، إلا أن النظام التعليمي لا يزال قائمًا بشكل كبير على تنافسية عالية، واختبارات أكاديمية صارمة تحدد التوجهات الجامعية والفرص المهنية.
ويصعب نظام كهذا تحفيز الجيل الشاب على مزاولة كرة القدم لأن هيكلية تعليمية كهذه "تترك وقتا قليلا جدا للرياضة"، بحسب أستاذة العلوم السياسية في جامعة ميشيغن ماري غالاغر، وتسأل "هل سيخاطر أولياء الأمور بخسارة أبنائهم نقاطا في امتحان إثبات الجدارة الجامعية (الذي يحدد المسار الجامعي لتلامذة المدارس)، في مقابل أن يزاول الأبناء كرة القدم بشكل يومي؟".
وكشف مؤسس أحد النوادي في بكين روان سيمونز أنه في غياب النوادي الصغيرة واللاعبين الناشئين "لا تهم كمية الأموال التي تنفقها الحكومة... لن تزدهر كرة القدم إلا إذا أحبها الناس".
ويضيف "لن ينجح التمويل الرسمي بفرض الأمور من الأعلى"، إلا أن العوائق أمام تنمية كرة القدم لا تقتصر على الأهل، بل تشمل أيضًا أنظمة التدريب شبه العسكرية المعتمدة، بحسب مارك دراير من موقع "تشاينا سبورتس انسايدر" المتخصص بالرياضة الصينية.
ويوضح أن مدربي كرة القدم "لا يزالوا يرون أنفسهم عسكريين يعطون الأوامر ويرغمون (الناشئين) على القيام بتمارين مكررة". ويسأل "أي طفل سيستمتع بهذا الأمر؟"، مضيفًا أن الأولاد في دول أخرى "يزاولون كرة القدم والابتسامة تعلو وجوههم".
وتلقفت أندية الدوري الممتاز مسعى التحول لقوة عالمية، واستقطبت لاعبين بارزين بصفقات مالية ضخمة. كما أنفقت مبالغ طائلة لاستقطاب مدربين لاسيما من أميركا الجنوبية، حيث يقول باير إن الأطفال يكتسبون مهارات التعامل مع الكرة مبكرا.
ويضيف أن البلدان الراغبة في تكرار نجاحات البرازيل الكروية، عليها ان تضمن تحول كرة القدم الى نشاط يزاول في المدرسة كما المنزل. ويرجح أن يتطلب الأمر من الصين "بضعة عقود عندما تتعامل مع تنمية الناشئين، لا تعلم ما اذا كنت ستحصد النتائج في 10 سنوات".
ويطرح سؤال نفسه وهو ما إذا كان الدفع الحكومي لتطوير كرة القدم، سيتواصل. وفي حين أن الرئيس الحالي هو من عشاق الكرة، إلا أنه سيترك الحكم في 2022، ولا يعرف ما إذا كان خلفه سيجعل من كرة القدم إحدى أولوياته.
وتسائل دراير "هل يمكنهم مواصلة المسار؟ الأمر ممكن، لكن بعد خمس سنوات أو عشر، من يعرف؟ إذا غادر تشي جينبينغ، والرئيس المقبل لا يحب كرة القدم، ربما سيصبح التركيز على كرة السلة".
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر